الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

14 آذار بالمقلوب في ساحة الشهداء في 31 تشرين الأول

ايلي الحاج
14 آذار بالمقلوب في ساحة الشهداء في 31 تشرين الأول
14 آذار بالمقلوب في ساحة الشهداء في 31 تشرين الأول
A+ A-

تساقطت على الطريق تباعاً في الأيام والساعات الماضية مجموعة من الأفكار المشتتة لاعتراض طريق عودة النائب الجنرال ميشال عون: تطيير النصاب القانوني، التصويت لمرشح آخر، أو رفع عدد الأوراق البيض ليتجاوز عدد الأوراق المكتوب عليها اسم عون. الواقع أن التعب حلّ على الفريق الذي رفض طويلاً مرشح "حزب الله" وحاول عبثاً مدى سنتين ونصف التملص من معادلة فرضها الحزب ونجح. معادلة ترئيس حليفه الجنرال أو استمرار الفراغ.


تباعاً استسلم من كانوا يشكلون "الفريق الآخر" المناقض، وارتكبت قيادات أساسية فيه جملة أخطاء لم تعد استعادتها مفيدة بعدما برع مَن وقعوا فيها برمي المسؤولية على آخرين. والنتيجة أن ساحة الشهداء (والحرية، من يَذكر؟) ستشهد الاثنين المقبل 31 تشرين الأول تجمعاً شعبياً واسعاً لأنصار "التيار العوني" وربما مع حلفاء لهم قدامى وجدد، لمتابعة تطورات عملية انتخاب الجنرال رئيساً في مشهد انتصاري حماسي سوف يعيد إلى الأذهان، ولكن بالمقلوب، لحظة إعلان الرئيس الراحل عمر كرامي يوم 14 آذار 2005 استقالة حكومته في البرلمان لأنه لم يتحمل وطأة الكلمات داخله والهتافات خارجه. اعتلى منصة الخطابات في الساحة يومها قادة وشخصيات استشهدت مجموعة بارزة منهم لاحقاً وعلى مراحل، تحت شعارات رفعها شعب "انتفاضة الاستقلال- 2005" (حرية، سيادة، استقلال).
لا يجدي الرجوع إلى أسباب الاستسلام للمنطق أو الواقع الآخر. لا يجدي الحنين إلى لحظة مشرقة في تاريخ لبنان مضت بعدما انطلقت التسوية. فالسياسة مصالح وحسابات في نهاية الأمر والمبادئ يمكنها الانتظار، خصوصاً في بلد كلبنان لا آليات ولا قدرة فيه للناس على سؤال قياداتهم . ثم أن "انتفاضة الاستقلال" سبق أن سقطت عندما تبيّن أن أحزاباً وشخصيات رئيسية فيها غلّبت اعتبارات فئوية وذاتية على الاعتبارات الجامعة، وتنازعت مراراً على القيادة والتوجهات وقسمة الأرباح. إذا قيّض للبنانيين أن يخوضوا في تجربة تشكيل قوة معارضة للأمر الواقع فسيكون عليهم بداية مراجعة كل الأخطاء التي انغمست فيها "14 آذار" والتيقظ لعدم تكرارها.
إنما الأحداث تتلاحق في سياق آخر، ولاحقاً تأتي مرحلة المراجعة. ثمة توزيع جديد للأدوار والأوزان والأحجام والمكاسب يجري حالياً، ميدانه وزارات ينهمك "القادة الجدد" في توزيعة السلطة باقتسامها وتوزيعها. هذه الوزارة لك، وهذه لي ، وتلك للحزب الفلاني، إذا شاء. لكن الثابتة التي ينطلق منها العهد العوني الجديد أن هناك منتصراً هو "حزب الله"، أراد بعض من ساهموا مساهمة رئيسية في إعادة عون إلى بعبدا إثبات أنه حزب غير صادق في تأييده لترشيح الجنرال، وبالتالي ستحشره وتفضحه خطوات سياسية ذكية، سرعان ما ردّ عليها "حزب الله" بجمع أرباح وُضعت أمامه على الطاولة، ما دام هو الأقوى في اللعبة التي أرادوا أن يلعبوها معه.
هكذا اعتبر "حزب الله" أنه غير معني بتفاهمات نسجها حليفه الجنرال عون، سواء مع "القوات اللبنانية" أو مع "تيار المستقبل"، واكتفى أمينه العام السيد حسن نصرالله بإعلانه "عدم ممانعة" لتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة. قد تكون المرة الأولى يُكلَّف رئيس للحكومة من غير أن يحظى بتسميته من إحدى القوتين الشيعيتين، الحزب وحركة "أمل" في حال أصر الرئيس نبيه بري على موقفه. لا أحد يجهل ثابتة عند "حزب الله" لم يخالفها مرة هي عدم تسمية الحريري . سرى موقفه على الأب الرئيس الشهيد كما على الابن الرئيس سعد.
يفرض هذا المعطى الجديد على المنشغلين، المستعجلين منذ الأمس الاتفاق على اقتسام جبنة الحكومة، أن يستعدوا لمواجهة حقيقة أن الرئيس بري سيكون هو المرجع في تأليف الحكومة ولا أحد غيره، بتفويض من "حزب الله" وتحت طائلة استحالة تأليف حكومة بدون موافقة الشيعة. كما عاش اللبنانيون سنتين ونصفاً تحت لافتة "عون أو الفراغ" سيعيشون مدة غير محددة تحت لافتة "حكومة يرضى بها بري أو لا حكومة". يمكن من اليوم على رغم موجة التفاؤل العونية، بفعل تحقيق حلم رجوع عون إلى "قصر الشعب"، تخيّل الرئيس المكلّف سعد الحريري يزرع الطريق ذهاباً وإياباً بين "بيت الوسط" وعين التينة، يقدم تشكيلة تلو تشكيلة والرئيس نبيه بري يردّها، إلى أن ترضخ القيادات المفتوحة شهياتها وتقبل بالمعروض عليها، تماماً كما قبلت بالمرشح الرئاسي الذي رفضته وحاربته ثم عادت و"انتصرت" بإيصاله إلى بعبدا.
أما لازمة الحديث عن حقوق للمسيحيين مهدورة في الدولة و"الطائف" ويجب استعادتها، فسوف تتلاشى تدريجاً على الأرجح. يكفيهم أن "الرجل القوي" في الطائفة صار هو لا غيره رئيساً للجمهورية. انسوا هذا الموضوع واقلبوا الصفحة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم