الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

حول الطائفيّة السياسيّة

المحامية صونيا ابرهيم عطية
حول الطائفيّة السياسيّة
حول الطائفيّة السياسيّة
A+ A-

يكثر الكلام، سواء في المحافل السياسيّة أم في وسائل الإعلام على تنوّعها واختلاف توجّهاتها، على الطائفيّة السياسيّة، حيث البعض يطالب بالغائها، والبعض الآخر يرغب في الابقاء عليها.
في البدء، لا بدّ من معرفة ما المقصود بالطائفيّة السياسيّة ومعناها الحقيقي. فمن الراهن أنّ لبنان الدولة، في نظام حكمه الأساسي وفي دستوره، لا ينتسب إلى دين معيّن ولا يقدّم مذهباً على آخر، وبهذا المعنى فإنّ الدولة اللبنانية ليست طائفية، فلا دين لها، بل إنّ جميع الأديان محترمة في دستورها، وحرية المعتقد والايمان وممارسة الشعائر الدينية مصونة لكل مواطن الى أي دين انتمى والى أي مذهب انتسب.
جلّ ما في الأمر أنّ اللبنانيين توافقوا على المشاركة في حكم بلدهم، فلا يكون طغيان طائفة على أخرى بسبب عدد أتباعها، ولا يحرم أتباع طائفية أو مذهب ديني مهما قلّ عدد أفراده، من الاشتراك في حكم الدولة وإدارة شؤون المواطنين.
وإنّ هذه المشاركة كانت فضيلة لا نقيصة، وهي لا تزال تطرح أمام الرأي العام العالمي على أنّها مثال في العيش والتعايش بين أتباع مختلف الطوائف والمذاهب الدينية.
وهذه المشاركة ميّزت ولا تزال تميِّز لبنان عن كل الدولة المحيطة به، قريبة وبعيدة، التي تعتمد ديناً رسمياً لها.
أمّا الدستور اللبناني فنصّ في مادته 24 على توزيع المقاعد في المجلس النيابي بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، تحقيقاً للمشاركة، كما سبق القول، في حين نصّت المادة 22 منه على انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي مستقبلاً، في حين أنّ المادة 95 من هذا الدستور نصّت على كيفية العمل لاتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية، وفق خطة مرحلية.
والمقصود بهذا النص عن الطائفية السياسية هو إلغاء توزيع النواب عددياً مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وتبعاً لذلك في مجلس الوزراء. إلّا أنّه لم يرد أي نص يشير الى وجوب إلغاء بعض القوانين التي تتناول حياة المواطن والمسندة إلى أحكام دينية عند كل الطوائف، وتوحيد الأحكام لتساوي بين المواطنين الى أي مذهب انتموا.
لا شك في أن المبتغى يكون في قيام نظام مدني يؤمّن المساواة بين جميع المواطنين في الأحكام التي ترعى شؤونهم، بحيث يبنى النظام السياسي على ديموقراطية حقيقية تعتمد الجدارة والكفاية والاستحقاق مقرونة بإرادة شعبية سبيلاً وحيداً لتولّي السلطة والمناصب والوظائف العامة في الدولة.
غير أنه دون هذه الغاية عقبات لا بدّ من إيجاد السبل لتجاوزها دون أن يثير هذا التجاوز خضّات على الصعيد الاجتماعي ودون أن يثير مشكلات ونزاعات بين اللبنانيين، أي أنه للقبول بهذا الطرح الذي يرمي الى الغاء الطائفية السياسية ينبغي المرور بمراحل كثيرة يجب أن تكون موضع حوار وطني.
والبداية في هذا المسعى تكون في تثقيف المواطن الى أي طائفة انتمى وتطوير تفكيره ليصبح مهيّأ نفسياً وتربوياً واجتماعياً ودينياً للقبول بمثل هذه الخطوة.
ومن بعض شروط التوصل الى إلغاء الطائفية السياسية، أركّز على ما يأتي:
1 – إلغاء طائفية الدولة:
نلاحظ أنه بالرغم من مشاركة الجميع في الحكم في لبنان فإنّ الدولة لا تزال تحمل صبغة طائفية ولوناً معيّناً.
فالحكم اللبناني وعلى مدى عهود كثيرة كان يضطر الى اتخاذ مواقف يدفع لها شعور طائفي بصرف النظر عن الواقع القانوني والسياسي الدولي دون النظر الى مصلحة لبنان. ذلك أنه يجب على الدولة اللبنانية عند اتخاذها أي موقف في السياسة الدوليّة أن تبني موقفها على مبادئ قانونيّة ثابتة مستمدّة من ميثاق منظّمة الأمم المتحدة وسائر المنظّمات الدوليّة ومن القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، وبما لا يضر بمصلحة لبنان على المدى الاستراتيجي.
2 – إلغاء طائفية المجتمع:
وما قلناه عن طائفية الدولة نقوله عن طائفية المجتمع، ذلك أنّ قسماً من المجتمع اللبناني يبني مواقفه في السياسة الدولية على مبدأ التضامن الديني.
إذاً، لا بدّ من إلغاء طائفية الدولة وطائفية المجتمع حتى نصل إلى إلغاء طائفية الفرد قبل التوصّل إلى إلغاء النظام السياسي الطائفي.
ذلك أنّ إلغاء الطائفيّة السياسيّة في الوضع الراهن لا يمكن أن يكون حلاً، إذ لا توجد ضمانة تمنع أو تحول دون هيمنة، ثم طغيان طائفة ذات كثرة عددية على سائر الطوائف. ومع الهيمنة تغيب جميع حقوق الانسان وحريّاته ويتم التنكّر لكل مبادئ الكفاءة والجدارة والاستحقاق.
فما هو السبيل لإلغاء الطائفيّة؟
إنّ إلغاء الطائفية الذي ننشد يجب أن يتم بتغليب الشعور الوطني على الشعور الطائفي ومصلحة الوطن على مصلحة الجماعة. وهذا يستوجب تطوراً فكرياً وثقافياً وتربوياً يشمل جميع نواحي الحياة، وخصوصاً الفكر الديني.
بمعنى آخر أنّ زوال الطائفية يقتضي تربية هادفة في هذا السبيل قد تستغرق وقتاً طويلاً.
ومن ناحية أخرى، يجب أن يواكب هذا التطور الفكري وجود مؤسسة تحمي حقوق الأفراد وحرية معتقدهم إلى أي طائفة انتموا. فالنظام السياسي، أي نظام سياسي، لا يمكن أن يحمي حقوق الأقليات والأفراد بشكل دقيق إن لم توجد إلى جانبه سلطة مستقلة نزيهة صاحبة تراث، وعنينا سلطة القضاء.
والى أن نصل الى المجتمع المدني المنشود، كما هي مجتمعات العالم المتمدّن لا بدّ من المرور بالمراحل التي ذكرت، ما علينا إلّا العمل على تثبيت التعايش بين الطوائف المختلفة وإحياء الحوار الوطني في ما بين أفرادها، وعلى تعديل القوانين بحيث لا تتمكّن أي طائفة من الهيمنة على طائفة أخرى ولا أي أكثرية على أي أقليّة مهما تضاءل عدد أفرادها.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم