الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

جودة أوباما ومخاطر المستقبل

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

في خطوة غير مسبوقة، سجّل الرئيس أوباما قناعاته حول الانجازات الاقتصادية خلال توليه القيادة ثماني سنوات، وبيَّن الاخفاقات والمخاطر المستقبلية، في مذكرة مطولة وضعها برسم الرئيس أو الرئيسة المقبل على أمل ان يكون الاخير متقبلاً لافكارها. وقد نشرت المذكرة المطولة على ثماني صفحات في عدد مجلة "الايكونوميست" تاريخ 8/10/2016.
معلوم ان أوباما خطيب بارع وهو كذلك يتقن فن الكتابة، وحينما كان طالباً في جامعة هارفرد بكلية الحقوق تولى رئاسة تحرير مطبوعة خاصة بالعلوم القانونية تصدر عن طلاب الجامعة.
بداية يطرح أوباما الموقف التساؤلي الآتي: "كيف يمكن بلداً استفاد – وفي الغالب أكثر من اي بلد آخر - من تدفق المهاجرين، توسع التجارة، والتطورات التقنية، التحول نحو مناهضة الهجرة، والتطور التقني، ويتجه نحو السياسات الحمائية على صعيد التجارة؟".
يعترف أوباما بأن نسبة من التذمر الحالي تعود الى أسباب حقيقية منها ان انخفاض الانتاجية مدى عقود، وزيادة فروقات الدخل والثروة، والعولمة، وتوسيع استخدام التقنيات الحديثة كلها امور اسهمت في اضعاف قدرات الموظفين البسطاء على اكتساب أجر معقول ومقبول.


على رغم تقويم اوباما للنتائج السلبية للعولمة وتوسع استخدام التقنيات الحديثة، فهو يرى ان الرأسمالية - مع كل الشوائب التي فيها - كانت النظام الاهم في دفع النمو وزيادة الرخاء وتوفير فرص لم تتوافر في اي زمن سابق.
في المقابل، يعتبر أوباما أن مستويات الالمام بالمعارف والمعطيات الاقتصادية وتحريف المعلومات من الامور التي اسهمت في تعريض المستهلكين والمنتجين لاخطار متعددة، كما اصبحوا يواجهون تكاليف عنايات طبية باهظة لا يمكن ان تتحملها الفئات البسيطة.
ويعود الى مفهوم الرأسمالية فيقول إن أي نظام رأسمالي يصوغه عدد قليل من السياسيين والاقتصاديين من غير ان يلمّ بحاجات الناس يكون بالفعل سببًا لانتاج تنظيمات سيئة وبالغة الخطورة.
وهنا يركز على التفاوت في الدخل والثروة والذي تنامى نتيجة تطبيق سياسات راسمالية لا تأخذ في الاعتبار حاجات العائلات المتوسطة الدخل، فيقول إن واحداً في المئة من العائلات الاميركية عام 1979 كان يحظى بنسبة سبعة في المئة من المداخيل - سواء كأجور أو ارباح بعد الضريبة - وعام 2007 قبيل الازمة المالية العالمية، بل بالفعل السنة التي بدأت فيها هذه الازمة في بريطانيا ومن بعد في الولايات المتحدة عام 2008، كان دخل الواحد في المئة من العائلات الاكثر يسرًا يساوي نسبة 17 في المئة من مجمل المداخيل للأجور والارباح بعد الضرائب. بكلام آخر، خلال 28 سنة تجاوزت نسبة فارق الدخل الضعيف 17 في المئة مقابل 7 في المئة. وفي السنوات ذاتها كان الفارق بين تعويضات رئيس مجلس ادارة شركة متوسطة الحجم والموظفين 20 الى 30 ضعفًا، وصار هذا الفارق عام 2007 ويا للأسف ولا يزال نحو 250 ضعفاً. وهنا ندرك الحماسة التي لقيها كتاب بيكيتي الاقتصادي الفرنسي الشاب الذي نشره في 1000 صفحة تقريباً لتبيان حدة الفارق في الدخل والثروة في البلدان المتقدمة.
بعد هذه المقارنة وغيرها والاشارة الى آثار الازمة المالية العالمية التي برزت بقوة في الولايات المتحدة منذ خريف 2008- والتي استوجبت ضخ 1.3 تريليون دولار لرفع رساميل المصارف، والسيطرة على شركات الى حين استعادتها القدرة على الايفاء - وأكبر مثل تجلى في مجموعة التأمين الاميركية AIG التي اقتضى انقاذها ضخ 180 مليار دولار، استردت كاملة حتى تاريخه، كما التسهيلات للمصارف وشركات انتاج السيارات. لكن جميع هذه الخطوات التي اتخذت لتفادي وقوع الاقتصاد في أزمة كساد كالتي حلت بالولايات المتحدة وأوروبا أواخر العشرينات واوائل الثلاثينات يعتبرها أوباما غير كافية لتوفير الاطمئنان الى المستقبل.
في رأي أوباما ان التشريعات التي صدرت والتي يبلغ عدد صفحاتها 10 آلاف صفحة، كما المؤسسة الفيديرالية لحماية حقوق المستهلكين التي انشأها، لا تكفي لضمان الاستقرار في المستقبل، فهو يقول ان هنالك نمواً وتوسعاً لمؤسسات تشابه المصارف، ومن هذه المصارف والشركات الاستثمارية التي لا تخضع لانظمة قانونية وقائية متكاملة، كما ان الموظفين المطلوبين للمؤسسات المعنية لا يمكن تأمين اعدادهم بصورة كافية وانجاز عمليات التدريب لهم.
نتيجة انخفاض أسعار الفائدة، سواء في الولايات المتحدة أو، دول الاتحاد الاوروبي أو اليابان بات هنالك دور أكبر وأكثر الحاحًا لتبني سياسات مالية تخصص نفقات ملحوظة للمشاريع العامة، كالمطارات والجسور والطرق وتوفير المياه والكهرباء الخ.
والاهم من كل ذلك ان السياسات التي أقرت لمواجهة الازمة المالية العالمية أوجبت ضبط عجز موازنات الدول الرئيسية ضمن حدود ضيقة، واتباع سياسات اقراض متشددة، والابتعاد عن المضاربات، وكل هذه الخطوات باستثناء الابتعاد عن المضاربات تتناقض والحاجة الملحة الى توسيع دور السياسات المالية الانمائية.
هنا نعود الى مفهوم اوباما لما يجب ان يتبناه الرئيس الجديد، أكان امرأة أم رجلاً، ومن الواضح ان توصياته تناقض تمامًا توجهات دونالد ترامب. ذلك ان ترامب يشكك في فوائد العولمة، ويود فرض ضرائب مرتفعة على المستوردات، ويريد الغاء اتفاق التجارة الحرة بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة والامتناع عن توقيع اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الاوروبي.
ودونالد ترامب لا يولي التربية اي أهمية، في حين أن أوباما يعتبر ان على الدول كي تنجح ان تكرس جهودًا كبيرة لتأمين التعليم والمعارف للاولاد، وخفض تكاليف الدراسة الجامعية، والاسهام في تنقية الاجواء من التلوث، وكل هذه الامور بعيدة من سياسات ترامب المعلنة. وكما هو معروف فقد اسس جامعة مشكوك في مستوياتها التي اختصرت بقراءة كتب وضعها هو عن النجاح في المفاوضات الاستثمارية والمشاريع العقارية.
وحيث ان ترامب واجه ست افلاسات دفع غالبية كلفتها شركاء له، وهو يريد تكبيل سبل التجارة الحرة، من المرجح ان يؤدي انتخابه الى ازمة اقتصادية عالمية تتجاوز آثارها وابعادها ما أمكن تفاديه بسياسات تعاونية بين المصارف المركزية الرئيسية في الولايات المتحدة وبريطانيا والمصرف المركزي الاوروبي والمصارف المركزية السويسري والكندي والياباني. لذا علينا ان نأمل في تفادي كارثة انتخاب ترامب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم