الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

بدرو ومتاهات الشغف

بدرو ومتاهات الشغف
بدرو ومتاهات الشغف
A+ A-

عندما نذكر إسم بدرو ألمودوفار (1949)، يعود إلى البال العديد من الأفلام التي أخرجت السينما الاسبانية من الظل. في بداية الثمانينات، هبّت رياح التجديد على اسبانيا بعد انتقال الحكم من يد فرنكو. في هذه الأرض الخصبة، موضع ألمودوفار، المتخرج في مدرسة الفرنسيسكان، أفلامه الاولى التي خرجت من رحم حركة الـ"موفيدا"، التيار الثقافي الطامح إلى ادخال الحداثة في المجتمع الاسباني. هذا التيار كان هدفه قطع حبل السرة مع نظام فرنكو القمعي لتكريس الديموقراطية والتحرر من القيود الأخلاقية.
قاطع ألمودوفار كلّ ما صنع ماضي السينما الاسبانية، فمال أكثر الى سينما الخمسينات الأميركية. ركّز على أسرار العائلة المخبأة التي تظهر فجأة، الأبوة، تأثيرات الكذب والنفاق على مصير الفرد. وجد في الهامشيين ضالته، وفي مدريده الحبيبة مركزاً لحكايات غرائبية لن يمر عليها وقت طويل قبل أن تُهاجَم لأنها تدعو إلى مخالفة تعاليم مجتمع كاثوليكي محافظ. "بوبي، لوسي، بوم وفتيات أخريات من الحيّ"، من تمثيل كارمن ماورا والمصوَّر بـ16 ملم، فيلم ألمودوفار الأول عن شرطي يبتز فتاة، قبل أن يعاني من انتقامها. الأجواء مركّبة، صارخة بالألوان والموسيقى وحركات الكاميرا. الحوادث مفتعلة، المناخ تسوده العبثية. يضع ألمودوفار هنا الأعمدة البصرية والسردية التي ستتركز عليها سينماه في السنوات اللاحقة.
فيلمه الثاني، "متاهات الشغف" عام 1982، مع سيسيليا روث، يقحمنا أيضاً في دهاليز العلاقات المعقدة، مطلقاً انطونيو بانديراس في أول دور له. يخلط ألمودوفار بين العبثية والمواقف التراجيدية، ولا يتوانى عن إلقاء تحية على السينما الايطالية من خلال استخدام بعض المقطوعات الموسيقية لنينو روتا، مؤلف فيلليني. مع "قانون الرغبة" (1986) عن مغامرات سينمائي وكاتب مثليّ ستكون له نهاية مأسوية، يتحول ألمودوفار إلى أحد رموز سينما المثليين. ميوله الجنسية، ستجعله يستثمر في تصوير المرأة وشؤونها، كما قلة عرفت تصويرها.
من خلال "نساء على شفير الانهيار العصبي" عام 1988، يظهر بوضوح ما يريده ألمودوفار فعلاً من السينما. النجاح الساحق للفيلم سيجعل منه شخصية دولية مطلوبة، فيصبح ظاهرة سينيفيلية تحال على مجهر النقاد. هذا النجاح لم يكن ثمرة المصادفة. فألمودوفار خطط له، عبر تضخيم خطوط عالمه وتفخيمها. كلّ شيء هنا حجمه أكبر مما كان سابقاً في أفلامه المتواضعة: الكوميديا أكثر تهذيباً، والنساء أكثر هستيرية، والألوان أشد فقاعة.
في كلّ مرحلة من مساره، استعان ألمودوفار بوجه نسائي جديد: كارمن ماورا في الثمانينات، فيكتوريا أبريل في التسعينات، وبينيلوبي كروز في المرحلة الأخيرة. دائماً، أبدى حاجة الى ملهمة.
مع "زهرة أسراري"، احتكم ألمودوفار إلى عقله وقلبه معاً، فترك الشغب الجميل ليلجأ إلى فيلم يروي فيه حكاية كاتبة تريد التخلي عن الروايات الغرامية الرخيصة لتقول أخيراً ما يسكن في أعماقها.
اختتم ألمودوفار التسعينات بواحد من أجمل افلامه: "كلّ شيء عن أمي" الذي ينال جائزة الاخراج في كانّ و"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي في السنة التالية. امرأة تريد بناء حياتها من جديد بعد موت ابنها. في هذا الشريط الأخاذ، يحلّق ألمودوفار عالياً. لم يعد الشاب الذي كان يصوّر موظفة الماكياج لمذيعات التلفزيون في "كيكا"، بل صار معلّماً نهماً يلتقط الرغبات البشرية.
سنوات الألفين هي مرحلة صعود وهبوط، فيها يقدّم ألمودوفار أهم أفلامه وأضعفها. براعة اليد لا تزال هي هي، لكن طبيعة النصوص لا تساعده دائماً. من جهة، هناك أفلام لامعة كـ"تحدث معها" أو "العودة"، ومن جهة أخرى نجد "العناقات الكسيرة" و"الجلد الذي أسكنه"، وهي أفلام شبيهة بتمرين اسلوبي بارع يفسده تطور الحكاية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم