الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

قانون الإنتخاب: لإعادة السلطة أو لتصحيح التمثيل... و التغيير

موريس نهرا
A+ A-

الحوار الذي جرى في 2-3-4 آب في شأن قانون الإنتخاب، هو بين أطراف السلطة العاجزين أنفسهم. وهذا ما يشير الى ضعف جدواه. فهم أنفسهم الذين صادروا حق الشعب، بتمديدهم المتكرّر لنيابتهم. ولو تُرك الأمر لهم لمدّدوا مرة ثالثة ورابعة. والكل يعرف أنّ قانون 1960 الذي اتى بهم، أصبح بعد مجيئهم يتيماً. فكلهم تنصّلوا منه بعد وصولهم. ومع ايجابية الحوار كمبدأ، لكن حصره بالأطراف ذاتهم، وهم لم تنقطع لقاءاتهم، بل تتواصل في اللجان النيابية، وفي الحكومة، وفي أشكال أخرى من الصلات، لا يقنع الناس بأنه سيفضي الى جديد نوعي.
اضطروا للبحث في قانون الانتخاب بعدما اسقطت الانتخابات البلدية الحجة الأمنية للتمديد للمجلس النيابي، وبلغ الاستياء الشعبي من ممارستهم ومحاصصاتهم درجة يخشون معها أن يتحول غضبةً شعبيةً تنفجر في وجوههم في الشارع، لكن ما رشح من تصريحات وأفكار لنواب ووزراء منضوين في السلطة، لا يحمل على التفاؤل. فهم يضعون الناس بين أمرين: إما قانون 1960 السيئ الذكر، بذريعة عدم اتفاقهم على قانون آخر. وهذا يعني التمديد لهذا القانون ولهم، أو قانون مختلط، أكثري ونسبي، يتخذ من النسبية اسمها ويفرغها من محتواها بجعلها في دوائر صغيرة، مفصّلة على مقاس الاطراف المذكورين وزعمائهم. والاشكالية بينهم تنبثق من وجود اختلافات محدودة في شأن التفصيلة التي تعيد الى كل منهم حجمه وموقعه.
فالقانون الأكثري والطائفي، والمختلط بدوائر صغيرة، يعيد هذه الطبقة السلطوية، التي اوصلت شعبنا وبلدنا الى هذا الدرك من الانحدار الفاضح في عجز السلطة وشللها، وإضعاف الدولة والتلاشي الجاري لدورها، وفي ظروف يتهدد فيها لبنان، خطر العدو الصهيوني، والتنظيمات الإرهابية، وتتفاقم فيها الأزمات التي تشمل جميع المجالات الاجتماعية والوطنية، مروراً بالأمن الغذائي والأولويات الحياتية كالماء والكهرباء... الخ.
وإزاء هذه الحالة المأزقية، صار النضال الشعبي من أجل قانون انتخاب نسبي ولا طائفي، وفي دائرة واحدة، ضرورة وطنية وانقاذية وديموقراطية، لتصحيح التمثيل الشعبي، ولإحداث خرق في جدار النظام الطائفي الطبقي المقفل، لفتح باب التغيير الديموقراطي، ولمعالجة فعلية للأزمات القائمة.
فالنسبية تزيل نمط الغاء الآخر، وتتيح تمثيل كل حزب أو تكتل، بقدر ما ينال من أصوات المقترعين. وأهمية الدائرة الواحدة تنجم من كونها تُحدث تحولاً نوعياً في الحياة السياسية، فتجعل الانتخاب على أساس برامج وطنية وإجتماعية وإنمائية، عابرة للطوائف، تتيح للناخبين المحاسبة على أساسها، وتضعف دور العامل الطائفي والمذهبي والعائلي في الاختيار. كما أنّ الدائرة الواحدة تجعل اللبنانيين يتشاركون معاً فعلياً، فيتعزز الانفتاح والتفاعل في المدى الوطني الشامل. مما يخلق مناخاً تتنامى فيه روح المواطنة وعناصر بناء الوطن والدولة الديموقراطية الجامعة والمتماسكة.
أمّا مسألة القيد الطائفي، فإنّ بقاءه في قانون الانتخاب، يلغي أولاً حق الفرد اللبناني كمواطن، ويملي عليه أن يكون الترشح عن طائفة. ثانياً يؤدي التمثيل الطائفي للنائب أو لأي موقع سلطوي، الى ازدواجية التمثيل. فالدستور اللبناني يعتبر النائب ممثلاً للأمة. وإلزامية القيد الطائفي تجعله ممثلاً للطائفة. وكثيراً ما تنشأ من هذه الإزدواجية، ارباكات وتناقض في المواقف، خصوصاً بين النظرة الى القضية أو حدث، من منطلق مصلحة طائفة بعينها، وبين مصالح الأمة الجامعة. وغالباً ما يطغى الموقف الطائفي، وتنعكس سلبياته على مجمل الحياة السياسية في السلطة وفي المجتمع.
واذا ما رأى البعض أنّ القيد الطائفي في الانتخاب، وُجد لطمأنة الطوائف وإشعارها بالأمان والاستقرار والمشاركة وتوطيد العيش المشترك، فإنّ التجربة اثبتت عكس ذلك، فلا شَعر جمهور أي طائفة بالأمان، ولا توافر الاستقرار ولا العيش المشترك الراسخ. فبقي الحذر والقلق، ووصلت الانقسامات والتوترات الى الحروب الأهلية. ويبقى استحداث مجلس شيوخ لتمثيل الطوائف، كما جاء في اتفاق الطائف، الى جانب مجلس نيابي غير طائفي لتمثيل الشعب والأمة، تستولده النسبية والدائرة الواحدة، هو المخرج حالياً لولوج شعبنا وبلدنا طريق التغيير وكسر دائرة العجز والشلل، والا تبقى الأزمات وأسبابها.
لكن ذلك لا يُنتظر تحقيقه من فوق، فالدور الشعبي الضاغط والمتصاعد، هو الأساس في ذلك.


كاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم