الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

متضامنٌ مع أنور عشقي ومؤيدٌ لزيارته

أحمد عدنان
متضامنٌ مع أنور عشقي ومؤيدٌ لزيارته
متضامنٌ مع أنور عشقي ومؤيدٌ لزيارته
A+ A-


ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر نصه زيارة أنور عشقي إلى إسرائيل. وقبل ذلك بأيام أو بأسابيع، كان أغلب معارضي زيارة عشقي يشبّهون التصالح التركي مع إسرائيل بصُلح الحديبية الذي عقده الرسول الأعظم مع كفار قريش، وهللوا لأردوغان الذي "انتزع صلحا بشروط تخدم أهلنا في غزة"، على حد وصفهم.


في الشأن الداخلي، خصوصاً قبل "الربيع العربي"، لم أجد نفسي مؤيدا لأغلب آراء أنور عشقي في الشأن المحلي السعودي، لكنني، غالباً ودائماً، أقترب من تحليلاته في الشأن الدولي والسياسة الخارجية السعودية.
عشقي، بناء على تصريحاته اللاحقة، أكد أنه زار فلسطين ولم يزر إسرائيل، وزيارته تمّت بدعوة من السلطة الفلسطينية للوقوف على أوضاع المعتقلين والشهداء وحضور عرس ابن المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي في رام الله، وقد كتبت الصحافة الإسرائيلية أنه زار إسرائيل لأنها تعتبر القدس، التي زارها أيضاً، مدينة إسرائيلية، ونحن نعتبرها مدينة فلسطينية وعربية.
وذكر عشقي أنه، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، التقى مدير وزارة الخارجية دوري غولد للحديث عن المبادرة العربية للسلام. والتقى الجنرال بولي الذي سهّل صلاة الفلسطينيين في القدس خلال رمضان الماضي. ونسقت السلطة أيضا لقاءات مع نواب الكنيست العرب وأكاديميين ومراكز بحثية وناشطين، وأسر قتلى وشهداء، كلهم يؤيدون المبادرة العربية للسلام.
ولعِلمِ المعترضين، فإن عشقي لم يكن السعودي الأول الذي زار فلسطين، وهذه زيارته الثانية أصلاً. سبقه إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والرياضي الراحل عبدالله الدبل، ورجل أعمال لم يشأ ذكر اسمه حاول دراسة تأسيس شركة مهمتها تعريب العقار في القدس عبر الشراء، وهناك غيرهم.
وبناء على تصريحات عشقي، لستُ أجد في زيارته ما يشين، وأعتقد أننا كسعوديين يجب أن نعتمد النموذج التركي في التعامل مع القضية الفلسطينية، فالاتصالات مع إسرائيل لا تعني العمل ضد فلسطين، بل قد تساهم في تعزيز السلام وقد تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، أو على الأقل ستساهم في تحسين ظروف الفلسطينيين وأوضاعهم ومؤازرتهم معنوياً.
ولو صحّ أن عشقي ساهم في فتح المسجد الأقصى خلال رمضان للفلسطينيين، فهذه لا تسجّل له كشخص، إنما تسجل لمكانة المملكة وثقلِها، وتمكن عشقي من ذلك وهو لا يحمل أيّ منصب رسمي، فماذا لو كان الطلب السعودي رسمياً؟
في مقاربة الصراع العربي-الإسرائيلي رسبت في الثقافة العربية نظريات فاشلة تعود إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، وكل تلك النظريات قادت العرب والفلسطينيين إلى الهاوية. ومن ذلك مثلاً التغاضي عن عدم التمييز بين الصهيونية واليهودية بذريعة إسرائيل، وإنكار المحرقة بذريعة إسرائيل. والنتيجة أن خطابنا العام أصبح شبيهاً إلى حد بعيد بخطاب المتطرّفين الصهاينة من موقع عكسي. وهذه أكبر هزيمة لنا.
ومن النظريات الفاشلة كذلك، نظرية المقاطعة بذريعة عدم الاعتراف بالاحتلال، كيف غفَل هؤلاء بأن المقاطعة هي الاعتراف الأنصع بالاحتلال؟ إن سياسة مقاطعة القدس والأراضي المحتلة، المُجربة خلال عقود، أفضت إلى انقطاع التواصل الحضاري والمعنوي والإنساني بين العرب والمسلمين، وبين القضية الفلسطينية التي لم تعد تعني للبعض إلا صورة باردة أو خبراً جافاً متأخراً في وسائل الإعلام.
من المؤسف، أن يعرف أبناء العرب والمسلمين التفاصيل الدقيقة لعواصم الغرب والشرق، ولا يعرفون شيئا عن العاصمة المقدسة الثالثة في الإسلام، ولا يعرفون شيئاً عن أرضهم فلسطين. إن مقاطعة القدس وفلسطين من العوامل التي أتاحت لإسرائيل تنفيذ مخطّطاتها المُعلنة بتهويد المدينة المباركة وتوسيع رقعة الاستيطان في فلسطين، ولو استمرت المقاطعة فالنتيجة ستكون أفدح.
ولتقريب وجهة نظري أضرب المثل بموسم الحج في المملكة، فهذه مناسبة تتجه فيها أنظار العالم كله إلى السعودية، وهذا يشكل عامل ضغط في بعض الأحيان كما شاهدنا في حادثة مِنى العام الماضي. وعليه، فإن مجرد زيارة القدس أو فلسطين أو الأرض المحتلة، والمقدسات خصوصاً، من العرب والمسلمين هو عامل ضغط على إسرائيل يجعلها تفكر ألف مرة قبل اتخاذ إجراء خاطئ.
إن مقاطعة القدس والأراضي الفلسطينية بذريعة دينية لا تحمل وجه حق، فالنبي الكريم زار مكة، ولم يمنع زيارتها، وهي بعيدة عن ولاية المسلمين، والأثر النبوي واضح في شد الرحال إلى المسجد الأقصى من دون اشتراط الولاية عليه، إضافة إلى أن الاحتلال الصليبي، ثم الاستعمار، لبيت المقدس لم تواكبه من العرب والمسلمين دعوة مقاطعة.
على صعيد آخر، إن كانت زيارة القدس مُستحبة في الإسلام زمن السلم والاستقلال، فإن حالة الاحتلال توجب زيارتها كمظهر من مظاهر التمسك بهويتها العربية والاعتزاز بتاريخها والتفاؤل بمستقبلها، وتحية لأهلها الذين واجهوا وحدهم انتهاكات إسرائيل بالصبر وبالثبات وبكل سبل الكفاح المشروعة.
إن مقاطعة القدس والأراضي الفلسطينية بذريعة سياسية لا تحمل وجه حق، فالمقدسات الإسلامية في فلسطين تحت رعاية ووصاية العرش الهاشمي الأردني، والسلطة الفلسطينية لها السلطة على مساحة واضحة من الأرض. وأيّ إجراءات رسمية لتسهيل زيارة العرب والمسلمين للقدس وفلسطين لن تقدم ولن تؤخر إزاء موقع إسرائيل في المجتمع الدولي. وماذا عن زيارة الأراضي التي تحكمها إسرائيل مطلقاً؟
إذا قاطعنا فهذا هو التطبيع مع الأمر الواقع، يجب ألاّ ننسى عرب 48 الذين أهملناهم ورميناهم كلياً في الحضن الإسرائيلي. إذا كانت اتفاقات السلام فشلت في تحقيق التطبيع بين العرب وبين إسرائيل، فلن تنجح زيارة مخلصة لفلسطين في ذلك، وإن الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها لا يحصل إلا بالعقول والقلوب، ودون ذلك لا تعني الأوراق والأختام أيّ شيء.
إن السماح للعرب بزيارة القدس وفلسطين يكمل الجهود السياسية في دعم القضية الفلسطينية، ويعمّق أواصر الصلة الروحية والنفسية بين العرب، قادة وشعوباً، وبين فلسطين وشعبها وقضيتنا العادلة المحقة.
إن الوعود العربية والإسلامية بتحرير فلسطين وزيارة القدس لم نر على الأرض، يا للأسف، أيّ أسباب تتخذ لتحقيقها، حرباً أو سلماً، وعليه فإن المواطنين العرب لهم حق يجب ألاّ يُمنعوا عنه، ولهم دور يجب أن يقوموا به، يتمثّل في المحافظة على القدس وفلسطين حقيقة وواقعاً في الوجدان، ونسج الأواصر مع الأراضي المحتلـة وأهلها.
التواصل مع فلسطين والقدس، أرضاً وشعباً، سيكون وسيلة ضغط جديدة لصالح القضية الفلسطينية، فالمقاطعة أتاحت لجهات متطرفة المتاجرة بالقضية وزعزعة الاستقرار في الدول العربية، وهذا يجب أن يتوقف.
إن زيارة القدس وفلسطين واجبة لما تحمله من قيمة إنسانية كبرى تكمن في التسامح واحترام الآخر والعيش المشتـرك، في ظل الأوضاع المتشنجة في المنطقة بسبب الخطابات الطائفية المريضة.
زيـارة القدس وفلسطين تعزيز للقيـم الأخلاقية التي تمثلها وتمثلنا، كما أنهـا موقـف ثقـافي يرفض، سلمياً وحضارياً، مشاريـع الاحتلال والاستيطان وهو إحياء دائـم ومتجـدد للقضية في مشهدنا العام.
زيارة القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة حق مشروع، والحق لا يُبرر، كما أن الانتفاع به يجب أن يكون متاحاً بلا إكراه. فالشعارات التي سمعناها قرابة 60 سنة تسير بنا من هاوية إلى هاوية، ومن ضعف إلى ضعف، لذا فمن الضروري إعادة التفكير في اتجاهات أخرى.
إنني أتفهم كليا المعترضين على زيارة عشقي، فمنهم من لا يؤمن بمشروع السلام، وهذا حقهم المحترم، لكن كما أنه من حقهم ألاّ نصفهم بالمتطرفين، فمن حقنا ألاّ يصفونا بالخونة، فمشروع السلام لا يعني أن إسرائيل أصبحت دولة صديقة لأن السلام لا يتم إلا بين الأعداء.
المشهد الطريف في زيارة عشقي هو بيان وزارة الخارجية السعودية التي أكدت أنه لا يحمل صفة رسمية، وأن إسرائيل دولة ممنوع زيارتها، وعقوبة ذلك 5000 ريال أو المنع من السفر ثلاث سنوات، وأعتقد أن الأجدى بالوزارة الموقرة احترام عقولنا.
إنني أعتبر زيارة عشقي لمحة تطور للسياسة الخارجية السعودية، نناصر القضية الفلسطينية بلا حدود وندافع عن مصالحنا بلا حدود ونعزز حضورنا الإقليمي بذكاء وبلياقة.


صحافي سعودي
صحيفة "العرب"

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم