الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

مرايا الفشل

زياد بارود- وزير الداخلية سابقاً
مرايا الفشل
مرايا الفشل
A+ A-

"الدولة الفاشلة" (failed state) تعبير علمي عالمي تم تلطيفه حديثاً ليشير إلى الدول الهشّة، بديلاً. تغيّر التعبير وبقي لبنان في مصاف هذه وتلك، إذا ما عدنا إلى "مؤشّر الدول الهشّة" لسنة 2016 الصادر عن "صندوق السلام" ومجلّة "فورين بوليسي". في المؤشّر، يحلّ لبنان في المرتبة الأربعين بعد جيبوتي وقبل بوركينا فاسو (والترتيب من أكثر الدول هشاشة – الصومال- إلى أكثرها استقراراً – فنلندا). يتقاطع موقع لبنان هذا، المتقدّم في هشاشة وضعه، مع كلام جريء لرئيس حكومته، عبّر فيه بصراحة كلية عن واقع مأزوم يعرفه اللبنانيون ويعيشونه صبيحة كل يوم وعشية كل استحقاق. جاهر به وتحمّل ما تحمّله من انتقادات دعاة التعمية من أصحاب سياسة النعامة. والأنكى أن بعض ساسة البلد يملأون الشاشات تبجّحا، يحاضرون في فشل الصيغة أو التركيبة أو الحكومة أو إدارات الدولة وأجهزتها على اختلافها، كذلك الفتى الذي يسقط في آخر السنة، لكنّه لا "يدوبل" ولا يقبل أولياء أمره إلاّ ادعاء تحامل الأساتذة عليه ولا يقبلون بنقله إلى مدرسة أخرى بديلة! هكذا حالنا: سقوط في الامتحانات المتكرّرة وتبنّي نظرية المؤامرة ورفض تغيير "مدرسة" التفكير (في حال وجوده).
في المؤشّر (وهو مجرّد مؤشّر، لا أكثر، لكنّه بمثابة إنذار)، ثمة معايير تصنيف موضوعية تستند إلى اعتبارات:
- إجتماعية (كالضغوط الديموغرافية والحركة الهائلة للاّجئين وهجرة الأدمغة).
- واقتصادية (كالتنمية غير المتوازنة والتدهور الاقتصادي العام).
- وسياسية (من نزع الشرعية عن الدولة وسيادتها الكاملة على أراضيها إلى تدهور الخدمات العامة، إلى تدخّل الدول الأجنبية).
كل ما تقدّم من حواضر لبناننا (أو لبنان من تولّى مهمة إيصالنا إلى المرتبة الأربعين بين الأكثر هشاشة). دولةٌ تآكلت مؤسساتها حتى لم يبقَ لأكلة الجبنة ما ينهشونه منها! دولةٌ لا تقرّ موازنة ولا قطع حساب مدى أحد عشر عاما، ومع ذلك تنفق وتنفق وتنفق! دولةٌ يمدّد مجلس نوابها لنفسه ولاية كاملة ويبقى حبر عدم الدستورية معلّقا على حبل الظروف. دولةٌ بات "ضيوفها" بمعدّل نصف عدد أهلها وبكثافة سكانية تضعها في المرتبة الـ18 عالمياً (368 نسمة/كلم2)! دولةٌ أمنها مهتزّ بقدر اهتزاز بدن أبنائها، على رغم تضحيات جيشها وأجهزتها الأمنية! دولةٌ رأسها المغيّب معلّق ينزف على حبال انتظار اتفاقات دول أخرى! دولةٌ يمكن أن تقفز من خط الفقر إلى الثراء الفاحش فيما لو فرضت ضريبة على الكلام من دون طائل الذي تنطق به من دون جدوى طبقة سياسية تنتمي في معظمها إلى الماضي! هذه الدولة الهشّة ليست فاشلة. هشاشتها فعلٌ إرادي مارسه كثيرون طعناً بها وبمقدّراتها وبكفايات أبنائها وبناتها ولم يرتدعوا...
في المقلب الآخر، منظومة عالمية هشّة، تتخطى الدول وتشمل أيضاً كبراها حجماً. منظومة الأمن الذي بات منكسراً أمام شاحنة "مؤدلجة" تحصد نساء وأطفالاً، وأمام سكاكين ظلاميين يذبحون نور كاهن. منظومة فكرية تريد لنا أن نعود إلى غرائزنا كما الوحوش، في ردّ فعل مبرمج. منظومة عالمية جعلت العنف في صلب حركيتها، في شكل عابر للحدود. كأن حرباً عالمية ثالثة تعبر أيامنا الحاضرة، من دون دبابات ولا جيوش منظمة، بل بجريمة منظمة تقتل الأمل والإنسان...
أمام منظومة عالمية هشّة، لا عذر لهشاشة ما عندنا، بل تشديد للعقوبة، لأن الزمن هو زمن اتحاد ونحن في انقسام، ولأن الزمن هو للتصدّي ونحن نيام أمام مرايا تبيّن مكامن الفشل ونحن ننظر... ولا نرى!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم