الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"الذئاب المنفردة" أشباح تُرعب العالم

امين قمورية
"الذئاب المنفردة" أشباح تُرعب العالم
"الذئاب المنفردة" أشباح تُرعب العالم
A+ A-

سلطت العملية الارهابية في مدينة اورلاندو الاميركية التي استهدفت مقهى للمثليين وخلّفت اكثر من مئة ضحية بين قتيل وجريح الأضواء مجددًا على ظاهرة "الذئاب المنفردة" التي باتت تعتمدها الجماعات المتطرفة لبثّ إرهابها في أرجاء العالم.


وكان تنظيم الدولة الاسلامية" (داعش) أطلق هذا المصطلح للمرة الاولى عام 2010 ليلقي الضوء على مدى خطورة العمليات الإرهابية التي تعتمد على تحريض مجموعة من الأشخاص على تنفيذ أعمال إرهابية بشكل منفرد. و"الذئاب المنفردة" هم مجموعة من المتطرفين في دول لا تقع تحت سيطرة التنظيم الارهابي. ويستطيع هؤلاء، باستخدام أدوات بدائية، تصنيع قنابل شديدة الانفجار وتنفيذ عمليات قتل مخيفة. واظهر هجوم اورلاندو مدى خطورة هؤلاء.
ومن أدبيات "القاعدة" إلى خطب قادة "داعش" كان أول ظهور لمصطلح الذئاب المنفردة هو مصطلح "الجهاد الفردي"، الذي ظهر في أحد فصول كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" الذي كتبه أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التى واجهها تنظيم "القاعدة" بعد أحداث وهجمات 11 ايلول 2001 ، والذي ابتدع فكرة اللامركزية، بحيث يتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود، يعتنقها ويمارس مقتضاياتها مَن أعلن ولاءه للتنظيم، وينفذها منفردًا من دون تكليف من التنظيم في أي مكان بالعالم.
وفي 2010 قدمت مجلة "إنسباير" الإلكترونية الصادرة بالإنكليزية عن تنظيم "القاعدة" في اليمن وصفة إرهابية بعنوان: "كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك؟"، لِحضّ المتعاطفين في الدول الغربية على تنفيذ هجمات فردية في بلادهم. ولم يختلف أسلوب "داعش" في هذا الاطار عن اسلوب عمل "القاعدة" حيث دعا الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني عام 2014 في تسجيل صوتي المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول الائتلاف في أيّ مكان، باستخدام أي سلاح متاح، وهو ما يُمكّن من تنفيذ العملية من دون العودة إلى قادة التنظيم ومن دون الانضمام إليه. كما استخدم زعيم داعش" أبو بكر البغدادي مصطلح "الذئاب المنفردة"، فى منتصف تشرين الثاني 2014 عندما دعا الى استهداف المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية، كما توعدت "داعش" عبر مؤسسة "دابق" الإعلامية بحرب جديدة تحت عنوان "الذئاب المنفردة جيش الدولة الإسلامية"، ضد ما وصفتهم بعبّاد الصليب في مواجهة حرب جديدة يكون رأس الحربة فيها "الذئاب المنفردة".
وبعدما هاجم مسلحان السياح في متحف باردو التونسي عام 2015 خرجت بعدها مواقع التواصل المؤيّدة لـ"داعش" لتبارك عملية "الذئاب المنفردة". ومن بعده كان الهجوم على السياح في ساحل سوسة التونسي، ثم كرت الهجمات المماثلة لتملأ سجلاً اجراميًّا مرعبا بدءًا بهجوم "شارلى إبدو" في فرنسا، وهجوم كاليفورنيا، والهجوم على مركز غارلاند في ولاية تكساس وغيرها من الأحداث الإرهابية، التي أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن تنفيذها معتمدا على هؤلاء "الذئاب المنفردين"، وهو ما فسّره وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أثناء الهجوم فى حادثتي كاليفورنيا وتكساس، بأنه هجوم مستلهم من تنظيم "داعش" وليس موجهاً من التنظيم. إلا أن أخطر هجوم لما يعرف بـ"الذئاب المنفردة" يتمثل فى هجمات باريس الأخيرة التي طاولت مسرح باتكلان واستاد فرنسا الدولي ومواقع أخرى، ثم الهجمات في مطار بروكسيل. وشكّل منفّذو هذه الهجمات تطورا محوريا فى هجمات "الذئاب المنفردة" من حيث الأسلحة المستخدمة وما كان بحوزتهم من ترسانة فى منازلهم وطريق اختيار الأهداف الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وحجم الشبكة التي ضمّت عددًا من الانتحاريين بينهم فتاة.
ويشرح الخبير الأمني المصري اللواء أشرف أمين، ان "الذئاب" هم أفراد يعتنقون الأفكار المتطرفة ويرتبطون أيديولوجيًّا بتنظيمات متشدّدة من دون أن يرتبطوا تنظيميًّا بهذه الجماعات المتطرفة ويقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية بصورة مستقلة وبتخطيط وتمويل ذاتيّ خدمةً لأهداف التنظيم وفلسفته، وفي الغالب لا يتجاوز عدد هؤلاء فى العملية الواحدة ثلاثة أفراد على أقصى تقدير. كما لا يوجد ايّ ارتباط عضوي ولا وسائل اتصال بينهم، لكنهم يتوحّدون خلف الفكرة. كذلك لا يمكن توقّع سقف العمليات التى يمكن أن ينفذوها بدءًا من اطلاق الرصاص وزرع عبوات ناسفة وصولا الى التفجير الانتحاري.
ويقدّر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي "اف بي اي" جيمس كومي أن تنظيم "داعش" حشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة. وتعود خطورة "الذئاب المنفردة" إلى أنه لا وجود لأيّ معلومات مسبقة حول طبيعة العملية، كما أن منفّذي هذه العمليات لا يمتلكون سجلا إجراميا أو إرهابيا وهو ما يصعّب مراقبة تحركاتهم أو رصدهم أمنيا، وكذلك عمليات ضبطهم. ويسعى "داعش" إلى الاعتماد بشكل أكبر على نظرية "الذئاب المنفردة" لتخفيف ضغط الضربات التى يتعرّض لها فى سوريا والعراق سواء على المستوى العسكري او التنظيمي حيث يتعرّض التنظيم بحسب مراقبين إلى حملات اختراق منظمة من أجهزة المخابرات العالمية ومراقبة وسائل التواصل بين أعضاء التنظيم، وهي استراتيجية نقل الحرب إلى أماكن جديدة غير تلك التي توجد فيها معاقل التنظيم.
وتميّز صحيفة "الواشنطن بوست" بين نوعين من "الذئاب المنفردة" هما المجنون والشرير، وتدلل الصحيفة على ذلك بالطبيب النفسي الأميركي نضال حسن، الذي أطلق النار في قاعدة "فور هود" العسكرية وقتل 13 عسكريا عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه مذنب. في المقابل تتحدث الصحيفة عن المهاجر الإيراني مان هارون مونيس، الذي احتجز عشرات الرهائن في مقهى بسيدني في كانون الأول الماضي، وكان يعاني من اضطرابات نفسية. ووصفه محاميه السابق بأنه مصاب بجنون العظمة، ناهيك عن أنه كان له سجلًّا جنائيًّا وعمل في السحر.
بدورها تشير "الدايلي تليغراف" إلى حادثة قيام المواطن الكندي مايكل زحاف بيبو بقتل جندي وإطلاق النار داخل البرلمان في العاصمة الكندية. وترجح الصحيفة أن يكون الهجوم رد فعل على قرار كندا المشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة. وتوضح أنه مأخوذ حرفيا من أدبيات تنظيم "القاعدة" الذي يطالب أنصاره بقتل الأوروبيين والأميركيين "الكفار" متى سنحت الفرصة.
وبحسب الخبير الألماني رولف توبهوفن، فإن الجديد في ظاهرة "الذاب المنفردة"، هو محاولة الإرهابيين تقمص شخصية إرهابيي "داعش" والانتساب إلى التنظيم. وقال "يعتقد منفذو العمليات المنفردة أنهم سيضخمون من قيمة عملياتهم الإرهابية إذا ما نسبوها إلى تنظيم داعش". ما يعني أن غاية الإرهابي يمكن أن تكون في هذه الحالة نشوة البطولة. وإذا ما أخذنا عمر متين كمثال فإن هناك مؤشرات تصب في هذا الاحتمال. إذ أشارت زوجته السابقة أنه كان في البداية شخصًا هادئًا لكنه تغيّر ليصبح مضطربا يميل إلى العنف.
وتتزايد مخاوف الأوروبيين والأميركيين من تشجيع "المتطرفين" على القيام بمثل هذه الأعمال المنفردة بدلا من العمل بشكل جماعي لتنفيذ خطة يكون كشفها أسهل. ووصفت "الواشنطن بوست" أسلوب "الذئاب المنفردة" بالكابوس الجديد، بينما اعتبرت "الدايلي تليغراف" البريطانية أنّ منع الذئاب المنفردة من ارتكاب أعمال إرهابية يمثّل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب. ويُجمع المحلّلون على أن هذا الأسلوب أخطر من العمليات التي ينفذها التنظيم ككل، لأنه يصعب العملية الأمنية في تقصي المعلومات وتحليلها، من خلال عدد كبير من المخطّطين، ربما يقع أحدهم ويدلّ على الباقين، على عكس العملية التي يقوم بها الشاب منفردًا في مجتمعات تسمح بتداول السلاح، لا سيما أنهم عادة لا يملكون سجلاً إجراميًّا.
هنا يطرح البعض السؤال اللغز: هل ستشكل الخلايا النائمة أو ما يسمى بالتطرف الافرادي خطر الإرهاب المقبل؟ وهل ستمون هذه الذئاب الوريثة الشرعية لـ"داعش" بعدما ورثت هي نفسها "القاعدة" وطورت ارهابها؟


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم