الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

تركيا وإيران وإسرائيل والتموضع المتشدّد بين الصراعات الداخلية والنفوذ الإقليمي

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

عاش لبنان خلال الاسابيع الماضية من الانتخابات البلدية والاختيارية "ترفا ديموقراطيا" قد يوظف في محاولة طمأنة اللبنانيين ان البلد لا يزال واحة هادئة نسبيا في خضم تغييرات جذرية في المنطقة، ما دام الافرقاء السياسيون استطاعوا تثبيت الستاتيكو السياسي المتعلق بزعاماتهم وموقعهم، فيما يبدو هذا المشهد غريبا ومتناقضا في الوقت نفسه مع محاولة تكيف دول المنطقة مع التطورات والمخاطر الآتية، على عكس ما يحصل في لبنان، وكأنه يعيش في جزيرة على رغم انه ليس كذلك، وما يحصل يترك انعكاسات سلبية كبيرة عليه. فمشهد لبنان يبدو سخيفا اكثر فاكثر في ظل عجز مستحكم عن فك استرهان استحقاقاته الدستورية، في حين تجري تحولات كبيرة يفترض في معناها أنها يمكن ان تجمد اكثر الواقع اللبناني على وقع حاجات محيطه بعيدا عن حاجاته هو. ففي تركيا مثلا، وحتى لو كانت هناك اعتبارات داخلية او شخصية للرئيس رجب طيب اردوغان وطموحات كبيرة في الامساك بصلاحيات رئاسية في تركيا على نحو احدث تراجعا كبيرا ازاءه لدى الرأي العام العربي بعد النجاح الكبير الذي حققه اثر التصدي لحصار اسرائيل غزة ومحاولته كسر هذا الحصار، فإن اطاحة رئيس الحكومة داود اوغلو تحمل ابعادا في خضم التحديات التي تواجهها تركيا في جوارها السوري وفي المواجهة مع روسيا التي تردت علاقاتها معها في الاونة الاخيرة ومنذ اسقاط تركيا طائرة روسية في سوريا. ولهذا التغيير كما للتغيير الذي حمله تطيير رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لوزير دفاعه على خلفية تشجيعه القادة العسكريين على الادلاء بآرائهم من دون خوف في انتقاد واضح لأداء المسؤولين السياسيين والاتيان بافيغدور ليبرمان مكانه ما ينبئ باتجاه متشدد للحكومة الاسرائيلية استنادا الى موقع وزير الدفاع في الحكومة الاسرائيلية استكمالا للحرب ضد الفلسطينيين وفي مواجهة الحرب الاهلية في سوريا، وهو امر كان يأخذ ابعاده في المقاييس اللبنانية حين كانت عين لبنان على جواره وليس منشغلا فحسب في زواريب انتخابات بلدية من دون ان يهمل هذا الاستحقاق على بساطته، لكن الامر ليس مهما للبنان بمقدار اهميته في ابراز القدرة على التضييق على الفلسطينيين اكثر من السابق او ايضا للتنسيق مع روسيا في شأن سوريا والعمليات العسكرية التي يقوم بها كل منهما اي روسيا واسرائيل في سوريا. والمقياس المتشدد نفسه تمت ملاحظته في اختيار احمد جنتي المتشدد رئيسا لمجلس الخبراء الذي يتمتع بنفوذ قوي في قيادة العملية السياسية في ايران ومن يختار مرشد الجمهورية، في حين أن الانظار او التوقعات كلها كانت في اتجاه انتخاب شخص اكثر اعتدالا. وهو مشهد يكتسب في ايران ابعاده في ظل الصراع بين المتشددين والمعتدلين على رغم الرهانات القوية على اكتساح المعتدلين المشهد السياسي في ايران بعد الانتخابات الاخيرة وتدعيم سلطة الرئيس حسن روحاني كما يكتسب ابعاده في سعي ايران الى انقاذ اجندتها في تثبيت النفوذ الشيعي في المنطقة خصوصا في ظل الفشل في تهدئة العراق او حسن اداراته بين مختلف الفصائل الشيعية التي تتنازع السلطة والفساد اضافة الى عجزها عن استيعاب باقي الطوائف وانعكاس ذلك على العراق ككل كما على ادارة الحرب في سوريا ايضا التي انتقلت في الايام الاخيرة على نحو واضح في اتجاه اكثر مذهبية مع الهجوم الذي شنه العلويون على مخيمات للسنة نتيجة التفجيرات في طرطوس وجبلة. وذلك علما ان التحولات السياسية العراقية او التحولات الميدانية تترك مفاعيلها بقوة على ايران كما على تركيا وسائر الدول المنخرطة في الحرب هناك.


الا ان اللافت في هذه التغييرات السياسية التي تستحق التوقف عندها ومراجعة كل منها بكل ابعادها الخاصة، انها تحصل في ثلاث دول معنية على نحو مباشر بالصراع على تقاسم النفوذ في المنطقة اي تركيا وايران واسرائيل من ضمن استعدادات هذه الاخيرة للمرحلة المقبلة على رغم ان لكل من هذه التغييرات اسبابا داخلية ايضا كما من ضمن تحصين قدراتها من خلال اظهار انيابها السياسية امام الآخرين او عليهم. فالتغييرات على المستوى الداخلي في كل من هذه الدول تؤثر بدوره في ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، والذي تخاض معارك في عدد من دول المنطقة بحيث تترك مفاعيلها عليها. وتاليا، فإن اصحاب السلطة يتموضعون من ضمن الصراع الداخلي على السلطة في ايران او تركيا او اسرائيل كما من ضمن المشهد الخارجي في اطار متداخل ومعقد لكنه يترك انطباعات قوية حول امتداد الصراع والتحديات التي تواجهها هذه الدول ازاء المتغيرات الدرامية الكبيرة وحسابات قياداتها على هذا الاساس. ولا يعفى او يستبعد من خلفية هذا الواقع احتمال فقدان المنطقة لتوازنها اكثر في المرحلة المقبلة مع غرق الولايات المتحدة الاميركية في انتخاباتها الرئاسية في الاشهر المقبلة ما قد يغيبها الى حد كبير عن التأثير في المنطقة ويترك مجالا للدول ان تتموضع على اساس هذا الواقع وتجري استعداداتها وتعزز اوراقها من اجل المستقبل او من اجل تعزيز موقعها راهنا اكثر. وبالنسبة الى مراقبين سياسيين فان ترددات ذلك او معانيه لن تظهر سريعا لكن من غير المتوقع الا تتبلور في اي محطة طارئة على الساحة الاقليمية المحتدمة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم