الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الثمانون في المئة

امين قمورية
A+ A-

الثمانون في المئة الذين لم يدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع في بيروت قالوا كلمتهم بمقاطعة الانتخابات، وحبذا لو كانت هذه المقاطعة بورقة بيضاء لكان تأثيرها أفعل وأمضى.


هذا الحزب الكبير ما انفكت كل الأحزاب، الحاكمة منها والمعترضة تتسابق على نهشه. زعماء الطوائف واحزابها الحاكمة تفعل ما استطاعت لإبقائه في سباته كي لا يتمرد على ارادتها. والمعترضون أو المعارضون يراهنون على خرق صمته لعله يسير في ركبهم وطموحهم بقلب الادوار أو المشاركة في المحاصصة.
بصمتها الكبير صرخت بيروت يوم الأحد "لا" كبيرة في وجوههم جميعا. لا للأحزاب الحاكمة التي تجر البلاد والعباد الى الفوضى والخراب. هذه الاحزاب فسادها المفضوح الذي بلغ حد اللامعقول اعتبره المعترضون والرافضون لحظة سانحة لمحاسبتها ولجم تكبرها، فكان الرهان مجدداً على كسر صمت الصامتين لانجاح المهمة، لكنهم فوجئوا أيضاً بـ"لا" قاسية منهم.
قوى الاعتراض التقليدية التي ترفع شعارات التغيير حاولت مراراً ومن دون جدوى قلب الموازين حتى اعتادت طعم الهزائم وصار اسمها منفراً للناس ولصيقاً بالفشل. هذه المرة حل على المشهد ضيف جديد جميل الصورة، ناعم الملمس، شفاف، جذاب، ينطق بالحداثة وينشد المدنية، اظهر بسرعة قياسية فرقاً، لكنه أيضاً عجز عن احداث الخرق، فهل العلة في بلادة الصامتين ولامبالتهم الى حد التسليم الكامل بمشيئة الذين نصبوا أنفسهم أولياء لامور اللبنانيين، أم في عدم قدرة المعترضين، تقليديين كانوا أم حديثين على فهم أسباب الصمت العميق الذي تجذر حتى اعتراه الصدأ أو اليأس لحلحلته واعادة تحريكه؟
علة البلد أكبر بكثير من ان يجري التصدي لها بحسن النية، وتجميل الاداة لايصنع التغيير. والتغيير لايكون باصطياد فرصة سانحة أو باغتنام حالة يأس، بل بتراكم طويل يستند الى برنامج يعبر عن مصالح الناس ويشاركون في صوغه. نظام الطائفية أثبت قوته وشراسته، ومقاومته لا تكون بالعفة السياسية بل تتطلب أحياناً شراسة موازية ضمن الاصول الديموقراطية. بالعفة والترفع تكسب القلوب فيما هو يكسب الشارع بالتعصب المذهبي، هو الذي يضع شروط اللعبة بفرضه قانون الانتخاب الذي يناسبه وتالياً يحدد سلفاً من هو الفائز ومن هو الخاسر، وهكذا فإن اللعب معه لا يكون بشروطه بل بتجميع أوسع قاعدة لفرض قانون جديد للانتخاب يتيح فرصاً متساوية لكل المشاركين بحسب احجامهم وتمثيلهم. هو يدير الحياة العامة تبعاً لأهوائه السياسية ومواجهته لا تكون بالتنصل من كل ما هو سياسي بل بالعكس بتقديم السياسة على ما عداها وبالتصويب على أصل العلة : الطائفية والمحاصصة.
السياسة ليست تهمة بل هي عمل نبيل اذا ما وظف لخدمة الناس وخدمة الوطن. ولعل المدخل الوحيد لاقناع الفئة الصامتة بالتخلي عن صمتها، نجاح الراغبين في التغيير في كسب معركة سياسية تبعث في الصامتين أمل التغيير.


[email protected] / Twitter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم