الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

رحل أوغست باخوس صديق الجميع

حبيب شلوق
A+ A-

لم يكن أوغست باخوس (93 عاماً) ذاك النائب المارّ صدفة في مجلس النواب، بل هو رجل تمرّس في العمل العام منذ أن بدأ حياته الاجتماعية رئيساً لبلدية الجديدة - البوشرية عام 1953، وقد نجح في هذا الميدان وحاز تأييد أبناء بلدته، وهو ابن عائلة مرموقة قيل أن أجداده معروفون منذ أيام المتصرفية وقد عاصروا المتصرف الأول داود باشا وشاركوا في انتخاب أعضاء مجالس الإدارة في الجبل، كذلك كان لوالده الطبيب وجود بارز في البلدة وجوارها من بلدات المتن الشمالي.
من هذا الجوّ انطلق أوغست باخوس إلى الحقل السياسي الأوسع، وانخرط ذاك الشاب الآتي من مدرستي الفرير في الجميزة والحكمة في الأشرفية، وبعدهما جامعة القديس يوسف في بيروت ليتخرج محامياً ثم يتدرّج في مكتب أحد المحامين الكبار إدمون كسبار، ومنه ليؤسس مكتباً للمحاماة عام 1950 أصبح في ما بعد والى اليوم من أكبر مكاتب المحامين ويديره نجله المحامي قيصر.
وتحمّل الشاب أوغست المسؤولية وهو في سن المراهقة بعد وفاة والده إذ كان الصبي الثاني بين أربعة أشقاء وشقيقتين، منهم المحامي والطبيب والمهندس والقاضي، ويروى عنه أنه كان يألف الحديث مع مَن هم أكبر منه سناً ويرتاح إلى الاستماع إلى أحاديث الشيوخ ويجالسهم، وقد ترك ذلك النمط من الحديث أثراً في منطقه وتحليله بحيث كان كثير الاستشهاد بأمثلة قديمة وتعابير قروية لبنانية.
عام 1972 ترشح للانتخابات النيابية عن دائـــرة المتن الشمالي وفاز وظل نائباً حتى عام 1996، ترأس خلالها لجنة الإدارة والعدل طوال 18 عاماً ثم هيئة تحديث القوانين ونشط خلالها في التشريع وتعديل القوانين وكان لا يكلّ ولا يملّ، حتى أرهق أعضاء لجنة الإدارة وأربك أترابه رؤساء اللجان النيابية الأخرى، وارتبط اسمه خصوصاً بقانون الإيجارات. وبعد تقاعده نيابياً أسس هيئة للتحكيم انضم اليها رجال قانون كبار.
وأوغست باخوس النائب لم يتلوّن ولم يرعبه تهديد في زمن الميليشيات التي صالت وجالت و"تعنترت" من دون رادع ولا وازع، وهو أصيب في الصميم نتيجة الفلتان الأمني، إذ استهدف رصاص شقيقه القاضي جان وهو في أوج عطائه وأرداه. كذلك تميّز بالإستقلالية والوسطية وكان من مؤسسي "الحزب الديموقراطي"، وشارك مع النواب موريس زوين وحبيب كيروز وجبران طوق والياس الهراوي وبطرس حرب والياس الخازن وطارق حبشي (والنائبين رينه معوض والأب سمعان الدويهي لبعض الوقت)، في إنشاء "تجمع النواب الموارنة المستقلين" الذي "مشى عكس السير" في عزّ الاصطفافات، وتمكّن من إيصال أحد أعضائه الياس الهراوي إلى بعبدا عام 1989 رئيساً للجمهورية، وآخرين إلى لقب "أصحاب المعالي". كذلك شارك في اجتماعات الطائف وفي صوغ "وثيقة الوفاق الوطني".
والنائب باخوس كان "صاحب واجب" وصديق الجميع، تلتقيه في كل مناسبة مشاركاً في الأفراح والأتراح، وعلى خطاه مشى نجله المحامي قيصر وابنته ليلى، ومثله كانت زوجته السيدة ناديا راجي. وهو كان صديقاً صدوقاً و"عشراوياً "ومحبوباً من الجميع من الساحل إلى الجبل ومن أعالي صنين إلى البحر.
رحل أوغست باخوس أمس راضياً مرضياً تاركاً وراءه إرثاً من العمل البرلماني والقانوني يُرجَع اليه في كل شاردة وواردة.
رحل نموذج المثابرة والثبات.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم