الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

هل يستطيع المثقّف العربي أن يأتي بالجواب الحاسم؟

المصدر: "النهار"
رلى راشد
هل يستطيع المثقّف العربي أن يأتي بالجواب الحاسم؟
هل يستطيع المثقّف العربي أن يأتي بالجواب الحاسم؟
A+ A-

تتردّد في الشهور الماضية ومع احتدام القضايا الساخنة في العالم العربي ونتائجها التي وصلت في الأيام الأخيرة، إلى القوت اليومي حتى، الدعوات الموجّهة إلى المثقّفين العرب بغية تقديم الجوابات الحاسمة والكاملة والتامة في شأن حوادث القرن الحادي والعشرين الذي دُمغ عقده الثاني بكثير من الدم الحارق.
غير ان الإصرار على جعل المثقّف العربي يأتي بالرد القاطع يزجّه في دور قد لا يعي كيف يضطلع به وربما يتخطى قدرته. والحال ان ليس ثمة وظيفة محددة للمثقف في المطلق، تحافظ على جمود وديمومة وتتجاوز الزمن والجغرافيا والإختصاص والتطورات والمفاهيم.
يكفي أن نصغي إلى ما قاله بيار بورديو في أواخر ثمانينات القرن العشرين على أثير إذاعة "فرانس كولتور" الفرنسية لنعي تلك الفروق الصغيرة بين المُرتجى الشعبي وبين المُمكن الثقافي.
يصرّ زمننا الحاضر على استدعاء مرجعيّات تتولى القول نيابة عن المجموعة وعلى استدعاء شخصيّة ثقافية تحتوي جميع الشخوص الأخرى في ارتيابها وارتعادها على السواء، غير ان العودة إلى تسجيل صوتي لأحد كبار علماء الإجتماع الفرنسيين بهوية بيار بورديو ربما يفيد النقاش ويضعه تحت ضوء جديد.
والحال ان التسجيل الصوتي الذي أٌخرج من محفوظات إذاعة "فرانس كولتور" أخيرا هو كناية عن حوار أجري مع بورديو في إطار برنامج بعنوان "بصوت مجرّد" وبثّ في الأول من شباط من عام 1988.
قال بورديو آنذاك أن الفيلسوف في تجسيده السارتريّ (نسبة إلى جان بول سارتر) أي في بُعده الإستشرافي الذي يتولّى الإجابة على المسائل الوجودية والحيويّة والسياسية وغيرها، لم يعد ملائما بالنسبة لجيله المُتعب والمُنهك، بسبب هذا الدور الكامل، تحديداُ. أضاف أنه ومجايليه باتوا عاجزين عن منح الجوابات المطلقة، ليشير إلى ان إعادة التحديد التصغيريّة للمهمة الثقافية أمر محوري ويشكّل تطورا صوب جدّية أكبر على المستويين السياسي والعِلمي. يؤكد بورديو، ومن دون مواربة، أنه بات يتعيّن على المثقفين الإنصراف إلى "الإجابة على الأسئلة الجزئية وإنما الإجابة عنها على نحو كامل".
فهل يمكن المثقف العربي راهنا ونظرا إلى حجم المسائل المطروحة في ظل التطورات المتسارعة في بيئتنا أن يدّعي قدرته على استنباط الجوابات الكبرى على نحو تام وكامل؟ نظنّ شيئا من التواضع في هذا السياق، لن يضرّ احدا. لن يؤذينا أن نعيد الإستماع إلى بورديو متحدّثا في شأن تحدّيات جيله في سياق مواجهة ثمانينات القرن العشرين حين كان جزء أساسي من العالم في مرحلة إعادة تكوين، حين سقطت المعسكرات وتفتَت كيانات وطنيّة عدة في عملية "إعادة إنتاج" للحدود الجغرافية، إذا جاز التعبير. والحال ان بورديو كان تمهّل عند مفهوم "إعادة الإنتاج" وهو عنوان أحد مؤلفاته أيضا - مع جان كلود باسرون- في سياق وصفه للدور الأساسي لنسق التعليم وفي إشارته إلى احتكار المؤسسة التعليمية للتلقين الشرعي.
يشير بورديو في اللقاء الإذاعي عينه أيضا إلى صعوبة الحديث عن علم الاجتماع قبالة غير المتخصصين ليتعيّن تطبيق إستراتيجيتين ممكنتين: تقديم علم الاجتماع كاختصاص أكاديمي على نحو يُسهّل قبوله، أو تقديمه في سياق التأثير الخاص لهذا العلم، أي وضع المُتلقين في حال من التحليل الذاتي، وهنا يُعرّض علم الإجتماع نفسه ليصير كبش فداء بالنسبة للجمهور، ذلك ان "الحقيقة" الإجتماعية جارحة دوما.
فهل يمكن المثقف العربي أن يخضع الآخرين لتمرين التحليل الذاتي حين يحاول الردّ على أسئلتهم في الشؤون والشجون السياسيّة والحيويّة؟ وهل يمكن هؤلاء تقبّل "الحقيقة" الثقافية العنيفة والجارحة والمؤلمة؟.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم