الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

10 لحظات لا تُنسى في 2015

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
10 لحظات لا تُنسى في 2015
10 لحظات لا تُنسى في 2015
A+ A-

ينطوي العام على صور هي في الحقيقة لحظات. بالوَقْع والصدى والصرخة والصدمة والمفارقة. تمرّ السنة تاركة خلفها أسئلة الغد والمستقبل. والهاجس والخوف. أسئلة إنسان القلق واضطراب الجماعة. وفجائية المجزرة ونمو أظفار الوحش. سنة تمرّ على أحلام تخفق وأوهام تتبدّد، وفورة تتقلّص وحماسات تتهافت. سنة عاجزة، مفكّكة، عمّقت جراحات البشرية وأعادت تشكيل ذهول المرء. وبيّنت الأرض قصاصاً وهناء الأوطان أكذوبة. ولعلّ السنين في ذاتها، من حيث هي يوميات ووقت، لا شأن لها بما تُحمَّل إلا لكون الإنسان يُتقن التفلّت من المسؤولية. يُخفِق ويُفسِد ويتجبّر، ويتنصّل من الإخفاق والفساد والتجبّر، رامياً آثامه على الآخرين الذين باتوا جحيماً. شكّل #الحراك_الشعبي حاجة إلى روح نضرة. زيَّن شبابه سنةً مقتولةً بالضياع والكسل، وبدوا توقاً إلى صفحة جديدة. ثم ضاع الوهج وتركت الثورة الشارع هزيلاً. نُنهي سنة كالنزف المستمرّ حين لا تقوى يدٌ على بلسمته. نَزْف الأراضي المقتولة والبحار الجائعة والشطآن المخيفة. نختار عشر لحظات حفرت في الـ2015 ندبة. ولعلّ لحظات السنين لا تكتمل إن حُصرت بعدد وجرى تقليصها، وإنما لفرادة ارتقاء الصورة إلى لحظة، يحلو اختيار القليل الفارق، بكثافته وفق معيار الحدث، ووهجه فور حدوثه وكونه فرض الانشغال به في الميديا والمجتمع والثقافة، وشكّل في حياة كثر مساراً آخر.



 #إيلان: مَن كان السبب؟


صورة السنة. بصدمة أن يهمد طفلٌ على شاطئ فتداعبه موجة ولا يضحك. تختزل جثة إيلان مأسي الهجرة وقوارب الغرق. يموت مهاجرون تركوا خلفهم ذلّ الوطن وفي البحر كانت النهاية. هزّ جسد إيلان النائم على الشاطئ التركي ضمير البشرية، ولعلّه كرمى لهذا الجسد، أو بفعل ما شكّل من أثر، أتاح بعض الغرب للمهاجرين مساحة أمل أكبر. يرقد إيلان تاركاً للناجين التساؤل عمن كان السبب. حطّم الموج أنفاساً رقيقة، وقست الملوحة على طراوة البدن وكُتب عن إيلان الوعظ والخطاب وخواطر الوطن. العالم يرى بعين واحدة، والثانية مفقوءة أو مصابة بالورم. ثمة في يوميات القهر مئاتٌ من إيلان. في #سوريا وأوطان الجحيم الأخرى. على الشطآن وصفحات الموج، وعلى ما تبقّى من القوارب ووحول العبور بين حدود الدول. إيلان الإنسانية وهي تلفظ أنفاسها فنتمرّد ثم ننسى.



#الكساسبة: موت الرحمة


كان النهار هادئاً يدنو من الملل، إلى أن ضجّ الخبر: تنظيم #الدولة_الإسلامية الإرهابي يحرق الطيار الأردني معاز الكساسبة في قفص ويوثّق الجريمة بالفيديو. مرعبٌ ما يحصل. جسدٌ بشري يُزجّ في قفص وتُضرم به النار حتى يتفحّم. راقبَ العالم التهام الحريق جسداً بدا مسلوب الإرادة، أشبه بمخدَّر ينتظر لفظ النَفَس. بجسد لاح عليه الاستسلام، فلم يصرخ. لم يطلب النجدة. ولم يقل وداعاً. كأنّ اللسان أُصيب بالشلل. والعقل سلّم أمره لبشاعة القدر. #داعش وحشية القرن بأنياب الدم. هزّ إحراق الكساسبة حياً الوجدان الجمعي وأتاح كراهية الدول والشعوب للتنظيم المفترس. إرهابٌ أمعن التفنّن في إعدام ضحاياه، ولم يفته توثيق المشهد. رمى من الطبقات العليا، رجَمَ، ومرة أخرى زجَّ في الأقفاص وأعدم الأحياء غرقاً. موت الكساسبة بالنار صدمة تختزل قبح الحرب. تموت الرحمة ولا تبقى من إنسان الغفران إلا الذكرى.



 إرهاب #برج_البراجنة و#باريس: للمجرزة أقدامٌ أخرى


خرق تفجيرا برج البراجنة في الضاحية الجنوبية اكتظاظ الشارع في ساعات بعد الظهر. نحو 40 شهيداً ومئات الجرحى، و"داعش" يتبنّى. مجزرة بحجم لبنان الجرح، لمس العالم نزيفها. الدول تستنكر، ومواقع التواصل تتكاتف. والمذيعات يسألن المفجوع عن إحساسه في الموقف الخطأ. لم يوفّر البعض صبياً خسر والديه يدعى حيدر. نجا من الموت فافترسته الكاميرات. استُغلّ من أجل لقطة. وبالغ كثرٌ في انتهاك فجيعة العائلة. حيدر في ذاته لحظة، كما هو عادل ترمس الذي صدّ هجوماً بروحه فقضى ليجنّب الآخرين امتداد المجزرة. قابل حيدر كريستيانو رونالدو. لاحقته الكاميرات والتقطت له الصور. حيدر نجمٌ لأنّ الخسارة فادحة. لا يدركها أطفال هذا العُمر. في الداخل، زوايا لا تُعوَّض. الأم والأب والعائلة. بقي حيدر ليتذكّر. ليسأل الله لماذا.



ثم نَبَتت للإرهاب أقدامٌ أخرى. حطّ في باريس، فيما متذوّقو الفنّ يملأون #مسرح_باتكلان. فجّر الإرهاب أحقاده وصُدمت الدول بـ 11 أيلول آخر. تضامن العالم مرّة أخرى، بما يفوق التضامن مع لبنان الجلجلة، وهبَّ مارك زوكربيرغ يجعل من "فايسبوك" مساحة تلاقٍ حول الجراحات الفرنسية، فغطّى العلم الفرنسي الصور. وبدأت الملامة لأنّ بيروت لم تنل من زوكربيرغ ما نالته الفجيعة الباريسية. كانت لحظة لبنانية- فرنسية صافية، حين أُضيئت صخرة الروشة بعلمَي البلدين بعد الوجع، ولم تشأ بيروت أن تعيش الأحزان بعزلة. تشاركت مع باريس المصيبة، والمصائب تجمع. تغيّرت حال فرنسا منذ الهجوم، شُدّدت إجراءات الحدود، وضُبطت حركة المطارات، وشنّ فرنسوا هولاند الغارات في سوريا. العالم يتبدّل والرعب يتمدّد والمستقبل ضبابي. الموسيقى ستهزم الموت. لا بدّ أن تفعل.



 إطلاق #العسكريين: الحرية والغصّة


بعد الممطالة، جاء الفرج. تعثّرت الصفقة وفي اللحظات الأخيرة أُطلق العسكر المخطوف لدى #جبهة_النصرة. عاد الفرح إلى عائلات هدّ الانتظار حيلها، وأخرى لا تزال تنتظر بحسرة. ثمة عسكرٌ مخطوف لدى "الدولة الإسلامية" لم يبصر نور العودة. لحظةٌ لقاء الكآبة بالنعمة. القهر بالفرح. الامتنان بالغصّة. عائلاتٌ تحضن أبناءها، وأخرى ترجو الله أن يعيد مَن يشتاق إليهم النَفَس. وعائلات تترحّم على مَن ذُبح وأعدم ودفع الثمن. المشهد حاضر: مسلّحو "النصرة" والأعلام السود في مكان التبادل، ولبنان يترقّب. خيم رياض الصلح تضحك للمرة الأولى. الأهالي يودّون الدقائق ألا تصبح عُمراً. الحشد الأسود لعناصر "النصرة"، تنقله "أم تي في" حصراً. أُطلق العسكريون واندلعت تصفية الحساب بين الشاشات. في خضمّ الفرحة، عكّرت حرب المحطات اللحظة. وبيّنت الجماهير شرذمة التعاطي مع الحدث. تحرّر الأسرى، واحتفت بهم السرايا. زُفّوا ورُفعوا عالياً. وشُكرت "النصرة" على حُسن الضيافة.



 #النفايات وثورة الشارع: الضجيج والتلاشي


النفايات في الشارع، والشارع ثائر. راهن لبنان على شبابه، ثم همد الرهان وخفّت الحماسة. أو لعلّ الإعلام ما عاد يكترث بعدما استمات. أمضت الكاميرات فترة ترصد التحرّك والتجمُّع وسوق أبو رخوصة، وأطلّ المتكلّمون على الهواء والمنظّرون والطامحون إلى الحُكم. في 2015، وقف شبانٌ لبنانيون يواجهون بأجسادهم خراطيم مياه قوى الأمن والقنابل المسيلة للدمع، وشابات يتلقين الضرب بالأحذية. كرّر الجميع: "مستمرون"، وقدّموا نموذجاً رائعاً عن نضال جيل جديد في مواجهة تراكم الفساد والتخاذل السياسي. خافتهم السلطة، ومن أجلّهم قدّمت "التنازلات" وأعادت حسابات ممكنة. وكادت أن ترتجف. ضاعت الثورة كما ضاع شادي في أغنية #فيروز.



 ضاع الحلم وضاعت النموذجية. وبقي صراع الديكة على النفايات. ذات يوم أمطرت غزيراً، وسبحت الأكياس في الشارع. وُثّق المشهد بالفيديو أيضاً، وتألّقت الثورة عبر مواقع التواصل. لم يتغيّر شيء. إلا الزخم والإرادة. الاستحالة تغلب التغيير. الوضع على حاله إلا الشباب الذي عاد إلى الظلّ رغم جاذبية الضوء. ورغم فيديو المرأة التي "أنجبت" كيس نفايات في الشارع. ضجّ الحراك وتلاشى. شهدت #ساحة_الشهداء عظمة أن يتجاوز الشعب الطائفية إلى بناء الوطن. والتقط المصوّرون لحظات انتفاضة مذهلة. وفي اليوم التالي استفقنا على خيبة. "راح اللي راح وفرّقتنا الليالي"، في انتظار ترحيل النفايات. كنا نريد الصدور التي تلقّت الخراطيم ولم تتنحَّ، أن تكون "مخيفة" أكثر. ولا تتراجع. مجّدنا الثورة، إلى أن بدا الإحباط سكّيناً في الظهر. مؤلم جداً. عدنا إلى المستنقع.



 غرق عائلة #صفوان: الجَلْد والذلّ


توحّش المركب وابتلع مَن شقّوا البحار بحثاً عن احتمال النسيم. عائلة صفوان جعلت من 2015 جرحاً أعمق. معضلة المهاجرين مجدداً، وهذه المرة من لبنان. غرقٌ باهظ. كجَلْد السوط على بدن ممزّق. كجنازة أبدية. جرف البحر التائهين إلى التربة. جعل الأوزاعي حيث منزل العائلة، حزناً مشتركاً، وصمتاً وتفاصيل مظلمة. كان نهار أحد حين قرّر مايز صفوان (63 عاماً) وزوجته مريم (45 عاماً) وبناته ماي (9 سنوات) وألين (7 سنوات) وميلاني من زوجة ألمانية (42 عاماً) وأولادها وائل (20 عاماً) وماهر (13 عاماً) ومالك (7 سنوات)، وابنه موسى (22 عاماً) وزوجته حورية الخطيب التي تحمل الجنسية السورية، الحامل في الشهر التاسع (17 عاماً)، أنّ اسطنبول هي الوجهة. تربّص القدر. هجم. وافترس. وقع المصاب. ينضمّ لبنان إلى أوطان تصدّر أبناءها من عذاب إلى آخر. تابعتُ في تقرير لدارين الحلوة عبر "سكاي نيوز"، لبنانية ركبت الموج لأنّ "الفقير يموت على باب المستشفى ولا مستقبل للبؤساء في هذا الوطن". ذلّ الإنسان المقهور حربٌ أيضاً.



 إسقاط #الطائرة_الروسية: إرجاء ردّ الصفعة


صفع الأتراك الروس، وكادت الصفعة أن تؤلم المنطقة. إسقاط الطائرة الروسية في سماء ريف اللاذقية وضع القيصر والسلطان في حلبة. مَن يملك عضلات أقوى؟ مَن يبلغ النهاية من دون أن يتعثّر؟ شهدت 2015 حرب الأفعال وردودها. بوتين يهدّد واردوغان يتوعّد والدول بين الطرفين تراقب بحذر. وفي حدث منفصل، شارك العالم بأسره الروس صدمة إسقاط "داعش" الطائرة في سيناء. كان ذلك قبل "صفعة" سماء ريف اللاذقية، فحام شبحٌ فوق شرم الشيخ، خافها الآخر، وازداد التوتّر. ثم كانت خشية أن تمتدّ النيران السورية إلى حلبة روسيا- تركيا وتبلغ الذروة بعدما تلقّت روسيا الضربة الثانية. على تركيا أن تعتذر، يرفع بوتين النبرة. لا اعتذار، يُعنّد اردوغان. والمنطقة بينهما بركان. تقسو اللهجة وتلين. لا بدّ من امتصاص الغضب. واستمرار الخديعة. نحن شعوب مسكينة لا تعلم شيئاً. تنتظر فقط. سمعت أنّ الطائرة أُسقِطت وانفجرت. وقفز الطياران بواسطة مظلّتين بعد تحطّم الطائرة. بوتين واردوغان ولعبة الكباش الطويلة. النظرات المتوعّدة. الحساب وإن تأخر. أنانية الدول.



القبض على #أحمد_الأسير: صعود الجينيريك


لم يشبه هذا الهارب صورته حين كان يلهو على درّاجة. إحدى اللحظات الفارقة في 2015، لحظة القبض على أحمد الأسير في المطار. أطلّ جينيريك النهاية بعد أكثر من سنتين على معارك عبرا. جواز السفر مزوّر، والوجه أيضاً. ورغم ذلك، كُبِّل وجُرّ إلى المحاكمة. في إمكان شهداء الجيش أن يرتاحوا قليلاً. لا أكثر. الحالة الأسيرية انقبضت. والشيخ لن يتزلّج بعد اليوم ولن يُقدّم للإعلام صورة "انفتاح" هشّة. في 2015، لا تزال المحاكمات تُرجأ. وفي كلّ مرة، ثمة أسبابٌ غير معلنة. وتلعثم ومماطلة. الملفات الشائكة أكبر حجماً من قرار أن تُحسم. نعود إلى مطار رفيق الحريري الدولي. هذا الذي بلا لحية ولباس إسلامي، الأسير أم مخلوق آخر؟ الذهول على وجهه ونظراته جافة. ولعلّه تذكّر أيام كان نجماً والكاميرات تسبق خطاه. وأيام المعركة والتائب فضل شاكر. تغيّر الدور وأُحرِج المقبوض عليه حتى أُخرِج. كانت لحظة.



 #عصام_بريدي: الحقيقة المرّة


باكراً جداً، انتشر الخبر. حادث سير قضى على الممثل عصام بريدي وشكّل لحظة لبنانية صادمة. شابٌ أودت به السرعة إلى مآسي النهايات على الطرق. مات ولم يتوقّع أحدٌ أنّ ذلك الصباح سيكون فاجعاً. انقلبت سيارته على جسر الدورة في اتجاه نهر الموت، وانطفأت الروح فوراً. حزن القلب على الفجر الآتي بصحبة دمعة. العائلة المفجوعة تتقبّل التعازي، وشقيقه وسام بريدي ينظر حوله ولا يصدّق أنّ عصام جثة. لا تشاء العينان إدراك الخسارة بالنظر إليها وتفحّصها. الصور الأخيرة قبل الفراق تَضحك. صورة الموت لا تتحرّك. النعش مخيف لا بدّ أنّه فارغ. لن يكون عصام بريدي في داخله. أو هكذا الجميع تمنّى. لكنّ الحقائق مرّة. مات بريدي كما يموت الضحايا: بوجع لا يوصف. موت الشباب عبرة.



 #إيللا_طنوس: الأمل


إرادة الحياة أقوى من اللعنة. الطفلة التي بُترت يداها وقدماها وقفت. قالت للعالم: انظرْ، لم يتغلّب عليّ أحد. رغم أطرافي المقطوعة وعذابات الأهل. ورغم أوجاعي. كشف العام 2015 فساداً في كلّ الملفات، وبيّن أنّ لا مظلّة فوق رأس أحد، والجميع معرّض للمساءلة إن وُجّهت إليه الشبهة. المهم أنّ إيللا انتصرت، والانتصارات في أحيان غير عادلة. انتصارٌ على العجز والاستسلام للتشوّه. وعلى الانكسار حين يكون قاضياً ثم يتعافى. الخسائر لا تُعوّض لكن الإنسان استمرار. وليس الحيّ بيدين مكتملتين وقدمين لا تتألمان، كالحيّ بالاصرار على المواجهة. الشقاء عقاب. فكيف على الطفولة في مخاضها، وعلى البراءة في لحظة خطأ؟ 2015 كإيللا وحيدر وما مرَّ على البشرية من خيبة. رغم كلّ شيء يبقى الأمل. لا بغدٍ مشرق يبدو محالاً، بل بالتحمّل. أن نتحمّل مآسينا لنفرح.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم