الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

لا بد من جراحة فكرية عميقة لكي يعود الإسلام

المحامي عبد الحميد الأحدب
A+ A-

في الخمسينيات التقى في حديقة منزل المحامي اللبناني رامز شوقي في البسطا، عبد الرزاق السنهوري (واضع القوانين المدنية لإثنتي عشرة دولة عربية) وصبحي المحمصاني، وجلست على طرف اللقاء أستمع وكنت فتى. استمعت الى الثلاثة يتحدثون عن التحديات التي تواجه الإسلام ومناقشتهم الإسلامية الطويلة والعميقة التي خلصوا فيها الى أن الإسلام دين الحرية الذي يجيز كل الأمور، الا ما ورد نص على تحريمه، وليس دين المحرّمات التي لا تجوز، الا اذا ورد نص على اجازته، لأن هذا الإسلام هو خطر على الإسلام. وانطلق الثلاثة بعد ذلك يكتبون المؤلفات، ورامز شوقي خطيب التجمعات. اذكر انني سمعت في هذا اللقاء قولاً: "اذا لم نشحذ الفكر وننادي بالحرية فإن العرب ذاهبون الى الإنقراض!" وطُرح خلال هذا الإجتماع سؤال: لماذا تخلّف المسلمون وتقدم غيرهم؟ هذه الأيام الداعشية أوصلتنا الى حيث كان السنهوري والمحمصاني وشوقي يتخوفون من الوصول اليه!
احتمال التغيير ضئيل جداً امام قوة السلطة التي لا تقهر. المشكلة الأساس اذاً هي "السلطة وبنية السلطة عند العرب". وما لم تتغير هذه البنية من المحال أن نتقدم، لأن السلطة صارت مجتمعاً منفصلاً داخل هذا المجتمع العريض. مثل قلعة مُطوّقة ومُسوّرة من جميع الجهات وهي تملك المجتمع الذي تُهَيمن عليه بالكامل. فهي اذاً تشلّ المجتمع وتمنعه من أن يشارك في بناء السياسة التي هي مسؤوليته. لا رأي للمجتمع وأفراده في أي شيء. والشعب معزول عن المشاركة في بناء مصيره وحضارته ومستقبله. وهذا العزل الذي تمارسه السلطة العربية منذ قرون هو أساس تخلفنا.
والتخلف الديني الناجم عن الجمود الفكري الديني هو الذي شهد هجمات الإغتيال والإرهاب والعنف ضد المفكرين: طه حسين احرقوا كتبه، قتلوا حسين مروة ومهدي كامل وفرج فوده، واضطر نصر حامد ابو زيد وزوجته الى الرحيل عن مصر، وحين سُئل قاتل فرج فوده: لماذا قتلته؟ أجاب: لأنه كافر، وسألته المحكمة: ماذا قرأت في كتاباته من كفر؟ أجاب: أنا لا أقرأ ولا أكتب!
العالم كله ضد الإسلام اليوم. الداعشية تسعى لإزالة الدول وتعود الى اسلام يستسهل التكفير، وهي اكثر تشدداً وهي سلفية جديدة ومختلفة عن السلفية، لأنها عادت الى التقليد الإسلامي بطريقة انتقائية واعتمدت الآراء الإسلامية الشاذة مثل العودة الى الرّق والعبودية وقتل الأسرى، لهذا ذهبت أبعد بكثير من سلفية "القاعدة" على سبيل المثال.
"وخلافتها" تلغي الدين، لأن تحويلها ركناً من اركان الدين يزيد الدين ركناً غير الأركان الخمسة، فيصبح الدين ديناً جديداً والدولة دولة أخرى، وهكذا فإن الخلافة بالمعنى الداعشي تلغي الدين، والخلافة بالمعنى الداعشي تلغي الدولة، والخلافة الداعشية وهمية تستخدمها "داعش" حتى ترد في الأذهان خلافة ابو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب، والحقيقة أنها سلطة استبدادية قائمة بإسم الدين، و"داعش" ليست جماعة بل عصابة.
كيف الخروج من هذا الإنحطاط؟ كيف نتجنب التدحرج الذي يقودنا الى الإنقراض؟
منذ ايام قرأت في "النهار" مقالاً للكاتب سمير عطاالله، الذي ينفرد بقلم نزيه وثقافة انسانية ذات شمولية، عن اليابان، يعلّق فيه على كتاب السفير سمير شما. كانت اليابان دولة عدوانية وكان نظامها عسكرياً استبدادياً، وفيها نشأ الإنتحاريون "الكاميكاز" ولم تكن تكف عن التعدي على جيرانها واستعمارهم من كوريا الى روسيا الى الصين، ثم غدرت باميركا في برل هاربر فكان العلاج بالقنبلة الذرية التي ألقيت اولاً في هيروشيما ثم ناكازاكي، بعد ذلك تغيرت اليابان تغييراً جذريا. الجنرال الأميركي ماك آرثر الذي نزل الى ارض اليابان تولى العملية الجراحية الموجعة في تحويل اليابان من بلد استبدادي عدواني ديكتاتوري غدار الى احد اكبر رموز السلم في التاريخ، ومن اجمل ميزاته ذلك الإنفتاح الكلي على الثقافات والحضارات والعلوم من دون اي عقدة نقص.بعد هيروشيما تحولت اليابان الى بلد السلم والمحبة والإخاء.
وليبرهن اليابانيون عن عرفانهم للجنرال الأميركي ماك آرثر الذي تولى العملية الجراحية خرج مليونا ياباني ليودعوا ماك آرثر المحتل العائد الى بلاده.
لم تعد هناك فائدة في معالجة خطف الإسلام من المسلمين والإنحدار والإنحطاط بالدين الى هذه الدرجات.
لا بد من صدمة هيروشيما، لا بد من جراحة فكرية عميقة لكي يعود الإسلام ديناً.
دين: "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي".
دين: "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن".
دين: "فذكّر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر".
دين: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن، وقل للذين آوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ، والله بصير بالعباد" .
دين: "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".
دين: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" .
دين: "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم بوكيل".
دين: "وما أرسلناك عليهم وكيلاً".
هذا هو الدين الإسلامي، وصدمة هيروشيما هي العلاج الوحيد لاسترجاع الدين الإسلامي من البربرية، واعادته الى حقيقته. اليابان جربت ونجحت، وقالت: شكراً لأميركا وشكراً للجنرال ماك آرثر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم