الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

عن مطران يركب البوسطة ويتخلى عن الخاتم وينكر "الفخامة"

المصدر: "النهار"
زينة ناصر
عن مطران يركب البوسطة ويتخلى عن الخاتم وينكر "الفخامة"
عن مطران يركب البوسطة ويتخلى عن الخاتم وينكر "الفخامة"
A+ A-

للغوص في الناحية الدينية-الروحية في حياة المطران الراحل #غريغوار_حداد الذي ودعه محبّوه الاحد، تحدثنا إلى الاب د. ميشال سبع من مطرانية الروم الكاثوليك ومدير مجلة آفاق، وهو يعد من بين الاشخاص الذين عرفوه عن قرب.


يخبرنا سبع ان حداد أخذ الشق الديني من مصدرين، الاول هو المدرسة الانجيلية التي درّس فيها والده في عبيه، وعلّمته عن "المسيح المباشر" دون المرور بالمؤسسات الدينية، والمصدر الثاني هو "اليسوعية"، التي تقول ان المؤسسة الدينية تفسر الإنجيل.


يروي انه حين كان الراحل مطران بيروت، تعامل مع الطبقة البرجوازية  فوجدها قريبة من رجال الدين، كي تحسّن من مصالحها، مركّزة على بعد لاهوتي هو ان الله يرزق الناس ويأخذ الحق القائم، استناداً الى قول بولس "لا سلطة الا من فوق".


أما في مفهومه اللاهوتي الخاص، فكان يعتبر انه ليس صحيحاً ان الانسان ليس له القدرة على التغيير وعلى الوصول الى ما يريد لأن الله الذي خلق الانسان على صورته ومثاله يعني انه أعطاه القدرة للقيام بكل شيء، والدليل على ذلك هو تجربة المسيح مع تلاميذه، حيث آمن ان جميعهم قادرون على القيام بكل الامور.


واعتبر غريغوار ان "الانسان مطلق في قدرته شرط ان يحكم الحب". وآمن انه يجب تحرير المسيح من الكنيسة، من التعليم، ومن اللاهوت، لأن المسيح بحد ذاته كان متحرّراً من الناموس.


ويكمل سبع بأسف انه بما ان "كثيرين من رجال الدين لا يحبون الحب، وخصوصاً المجاني، فقد حاربوا غريغوار. إلا ان ما ساعده على التغيير هو مجموعة من الشباب البرجوازيين الذين تطوعوا معه في خدمة المجتمع. لكن فترة أراد المطران التنسّك، والعودة إلى بيروت، صدم ان العمل التطوعي سقط".


لم يتلق المال


مرّ غريغوار بمراحل صعبة في الستينات، فكان نائب مطران بيروت قبل عام 1965، وأصبح مطران بيروت عام 1965، وشغل المنصب لعشر سنوات، حاربه خلالها كثير من الأغنياء، معتبرين ان كل عملية تغييرتهدّد مصالحهم الاقتصادية.


ويخبرنا سبع إحدى القصص عن حداد، فخلال قداس، حضره الرئيس شارل حلو، لم يقل فخامة الرئيس إنما قال "اخوتي الاحباء"، فاعتبر الحاضرون انه يهين المرجعيات.


لم يقبل "مطران بيروت تناول طعام الغداء على مائدة اي شخص. ورفض التعميد والتكليل، مما ولّد المشاكل بينه وبين الإكليروس. صدم المطران الخوارنة، إذ قال انه لا يجب ان يأخذوا المال مقابل التعميد والجناز لانه عمل مجاني. وحصر مدخولهم بالصندوق الموحّد".


يتابع سبع:"في العام 1975، اعتبر ان فكر غريغوار في مجلة آفاق التي أسسهايتناقض مع مطرانيته، فخيّروه، واختار المجلة. انطلق المطران من البعد اللاهوتي في فكره وقربه من المسيح في كل أفعاله، وكان يعتبر ان مثاله في الحياة هو ان يسير على طريق المسيح من دون مقابل". لكن هذا، بحسب سبع، "لم يعجب لا رجال الدين ولا الناس الذين استغلوا الدين لمصالحهم".


مطران بيروت والبوسطة


يخبرنا سبع قصة اخرى تظهر جمال المطران غريغوار، فحين "كان مطران بيروت للروم الكاثوليك، ذهب في زيارة إلى بعلبك، وتجمّع الناس لرؤية مطران بيروت، وإذ بهم يرون شخصاً ينزل من بوسطة يقول لهم" أنا مطران بيروت". فصدموا...".


وفي قصة اخرى، "جاءت امرأة تحمل لائحة بالأدوية التي تحتاجها، ولم يكن من مال في صندوق التبرعات. فخلع مطران بيروت غريغوار حداد خاتم الاسقفية، وقال لها ان تبيعه وتشتري الادوية".


أصرّ غريغوار ان يلقّب بـ"أبونا غريغوار" وليس المطران، واعتبر ان الاسقفية تعني الخدمة، وان الفقراء هم صورة المسيح، إيماناً منه بقول المسيح "ما اصعب على ذوي الاموال ان يدخلوا ملكوت الله". آمن غريغوار ان الانسان الذي يحتاج الحب هو الذي يمكن ان يعطي الحب.


 


فحص إيمانه في روما... ومؤتمر القذافي


يكمل الأب الذي كان مقرباً من الراحل انه" عندما شكلت روما محكمة لفحص ايمان غريغوار اقرّوا بسلامة ايمانه الكاثوليكي ورفعوها لروما. فماذا ستحكم اللجنة اللاهوتية العليا؟ اعتبروا ان في تعاليمه نوعاً من التشكيك، منطلقين من القول في الإنجيل "ويل للذي تقع الشكوك على يده".


اما ما دفع روما لفحص إيمان المطران، فكانت تقارير السياسيين اللبنانيين ورجال الدين ضدّه، وفق سبع. ويقول ان من حاربه هم "المسيحيون المتزمّتون"، حتى ان أحد السياسيين أطلق على غريغوار لقب " المطران الاحمر"، وقال للسياسيين: "ما به؟ يريد ان يجعل المسيحية شيوعية؟ "


 


يخبرنا الأب سبع عن قصة حصلت في مؤتمر الحوار المسيحي -الاسلامي الذي عقد برعاية الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي دعا عدداً من كرادلة روما. وسأل القذافي الحاضرين: "كم حقيقة يوجد حقيقة ام اثنان؟"


أجاب الكرادلة ورجال الدين "حقيقة واحدة". فسألهم "هل الاسلام حقيقة ام لا؟" هنا لم يعجب كلام القذافي رجال الدين المسيحيين، وأرادوا الرحيل، إلا ان غريغوار لعب دوراً توفيقياً وأقنع الجميع بالبقاء في المؤتمر، فذكر الشهادة لتصدر مانشيتات الصحف معلنة ان "المطران غريغوار يعلن إسلامه". لا لم يعلن حينها غريغوار اعتناقه ديانة جديدة، رسالته كانت ان الانسان هو اساس الاديان ومنبعها.


كيف لا يمكننا ان نأسف لرحيل شخص اعتمد الحب المترجم بالعمل العطائي المجاني في كل حياته؟ قرّب منه كل من عرفه، حتى أنه أحبّ سماع النكات الجديدة، يخبرنا العديد من الشباب والشابات. كيف لا نتمنى وجود مئة غريغوار في بلدنا، وهو الذي رفض ان تدفن أمه في نعش باهظ الثمن؟ ذلك المطران الذي أحبّ ان يتساوى كل الناس في كل شيء طلب ان تدفن أمّه في أبسط نعش ممكن، لأنه اعتبر ان "الفخفخة تحجب رؤية المسيح".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم