الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

رأيتُ صورته الدموية عبر "واتساب" وصرخت: هذا ابني!

المصدر: "النهار"
زينة ناصر
رأيتُ صورته الدموية عبر "واتساب" وصرخت: هذا ابني!
رأيتُ صورته الدموية عبر "واتساب" وصرخت: هذا ابني!
A+ A-

المآسي لا تقاس بالأرقام... وجرحى تفجيري #برج_البراجنة الإرهابيَيْن لكلّ منهم قصة. هم أشخاصٌ ضحكوا وبكوا وتقلّبت أمزجتهم ولديهم هوايات. ليسوا تلك الصورة الدموية التي تناقلها بعضهم عبر "واتساب"، كصورة الجريح حسن ناجي ناصر الذي كانت له الحصة الكبرى في تناقل صورته على الهواتف المحمولة.


أراد حسن (23 سنة) النوم ساعتين قبل الذهاب إلى العمل في إدارة أحد فروع متاجر خاله لبيع الدجاج ("حرب تشيكن"). الشاب العشريني كان درس الـbiochemistry سنتين قبل أن يستقرّ في العمل مع الخال. في العادة، يبقى حسن في عمله حتى السابعة مساء، إلا أنّه أبكر الخروج في يوم التفجير كأنه يسابق قدره. قصد المكان الذي نادراً ما يذهب إليه. يخبرنا والده بعينين تملأهما الدموع كيف ذهب ابنه من أجل تناول السندويش "من عند برهوم".



 


الصورة المتداولة: هذا ابني!
الطريقة التي علم فيها والدا حسن بإصابته كانت عبر الصورة الدموية التي تداولها الجميع عبر "واتساب". "هذا ابني!"، صرخ الوالد عندما أرسلت عمّته الصورة عبر الهاتف. هدّأت أخته من روعه وقالت إنه شخصٌ آخر، ولا يبدو أنه حسن. "بلى. حفظتُ ثيابه. لبس القميص الأزرق والجينز اليوم قبل أن يخرج من المنزل".
تشتّتت العائلة. تاهت مشاعرها وطغى الارتباك واللوعة، حتّى قبل محاولة السؤال عن التفاصيل. بحث الأهل عن ابنهم في مستشفيات عدّة، حتى إنّ الأقدام ما عادت تُسعف من شدة القلق. "حسن هون؟"، كان السؤال من مستشفى الساحل إلى الرسول الأعظم والبرج، إلى أن وجدوه في بهمن. حتى في ذلك المستشفى، "رحنا ورجعنا إلى ما يقارب الـ6 مرات. وفي كلّ مرة كانوا يقولون: حسن ليس هنا".



 


ارتجاج في الدماغ... شظايا... كسور...
لحظة رؤيته حملت الفرح والحزن في الآن عينه. "ابني في العناية الفائقة. ابني مصاب برأسه. ابني تعرّض لكسور في رجليه وفي حنكه. ابني... ابني...". حين رأته عائلته كانت قد أُجريت له جراحة في حنكه، ومع كلّ معلومة، كان الجميع ينهار. بدا الأمر جلياً من تعابير وجه الأب، ومن دموعه وانقطاع نَفَسه بين كلمة وأخرى.


لوعة، حزن... لا كلام يصف ما حلّ بالعائلة المفجوعة. عماته يخبرن الجميع عنه، وأصدقاؤه قضوا الليل عنده. ترقّب المجهول وصمت. في حضرة الجرحى، لا يعرف المرء كيف "يواسي" الأهل. لا شيء معروفاً، وفي حال حسن، كل ما يعلمه الجميع حتى اللحظة هو أنه تعرّض لارتجاج في الدماغ، يحتاغ نحو أربعة أيام لتتحسّن حاله، إلى كسور في رجليه، وشظايا في كل جسده.
أمّه الجالسة على أحد المقاعد في المستشفى تتطلّع للأعلى وتناجي الله ليشفيه، فيواسيها الأهل والأقارب. لا مجال للكلام أو لسؤال الأمّ عن حالها. ابنها لم يغب عن الوعي، لكنّ الأطباء جعلوه ينام جرّاء سوء حاله.
لا بدّ من التفاؤل في أقسى اللحظات، ورحلة الحزن الكبير لا بدّ أن تتكلّل بلمسة فرح تُبعد الشكوك بالأسوأ وتُبرّد بعض الشيء قلوب الأهل على "ضناهم". بدأ التفاؤل مع العائلة حين علمت أنّ قطرة الدم في رأسه لن تتضاعف، وستظلّ على وضعيتها، وفق صورة الـscanner التي أُجريَت له.



 


الشاب المحبوب


حسن شاب محبوب من الجميع، تقول قريبته سيرينا ويُجمع أصدقاؤه. يحب إمضاء الوقت مع أصدقائه في قهوة بمنطقة السان تيريز، ويدخّنون النرجيلة. نادراً ما يذهب في نزهة خلال النهار، ويخرج من المنزل ليلاً. يخبرنا والده وهو يقلّب صوَر ابنه، أنّه يعرفه فرحاً دائماً، لا ذلك الجريح الذي تتضرّج صورته بالدماء. ويقصّ علينا كيف استمتع حسن برحلته منذ نحو الشهرين إلى تركيا مع الأصدقاء.




تجلس أخته فرح، التي تعمل في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت تترقّب حال أخيها، كذلك الشقيق الآخر محمد. يتمشّون قليلاً ثم يسألون عن حاله. الكل ينتظر أن "يطلع من العملية". بعد ساعات من الانتظار، أُحضر حسن، وبكى الأهل مجدداً. تمت الجراحة في رجليه، وسيخضع لأخرى في حنكه الثلثاء. بكاء... وكلمة "الحمدالله"... هذا قدره.. نصيبه... هذا ما تسمعه في تلك الباحة خارج غرفة العناية الفائقة، حيث أُدخِل حسن مجدداً بعد الجراحة. هرع والده، والدته، عماته، وإخوته للقائه، هو الشاب العشريني اللطيف، في انتظار رؤيته كما يعرفونه، وفي انتظار انتهاء الإجرام وتزعزع الأمان في نفوس الجميع.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم