الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أيها اللبنانيون، لكم الله!

راشد فايد
A+ A-

يشعر من يأخذ مسافة عن يوميات اللبنانيين أنهم أكثر كائنات العالم حاجة الى الله. واذا كانت عبارة "اعقل وتوكل" ملجأ القانطين، فإن اللبنانيين يتخطونهم الى التوكل المطلق، بدليل ان وقف الحرب بـ "اتفاق الطائف" أعقبه تشكيل حكومتين، عجزتا عن الخطو في اتجاه إعادة البناء والنهوض بالإقتصاد، بحجة من أين نبدأ.


جاء الجواب من رجل اسطوري اسمه رفيق الحريري. بدا كساحر يحمل كل الإجابات، وحاضر لكل المفاجآت، وأطلق كل البدايات، وواجه مؤامرات الصغار، في نفوسهم وطموحاتهم، وخصومات الجاهلين، وعمالة الحاقدين، وأطماع المبتزين.
كان الفعلَ، وكان الآخرون، كبيرهم والصغير، في موقع رد الفعل. كان يستعجل الانجاز، كأنه يسابق قدره، وكانوا يتمنون الخيبات، ويستعذبون إبقاء البلد في مستنقع الركام والوصاية.
منذ رحيل رفيق الحريري، لم يتفاجأ اللبنانيون بأي إيجابية عامة: حال نظام الوصاية دون "الحريرية" وتطوير الكهرباء وتعميمها، ليستمر إبتزاز الخزينة لمصلحة المنتفعين، على ضفتي الحدود، التي محيت اصلا. ومنذ استشهاده إلى اليوم، لا تزال أزمة الكهرباء "تفاجئ" اللبنانيين، لاسيما القيادات السياسية، تماما كما تفاجئهم أزمة النفايات، اليوم، وستفاجئهم، يوما، فضيحة مياه الشفة، واهتراء شبكة الطرق، و"اجتثاث" الأحراج العامة، ومصادرات الشاطئ اللبناني، أو ما بقي منه، وكذلك الأملاك العامة والمشاعات البلدية.
بين 2005، يوم اغتيال رفيق الحريري، والأحرى من خروجه من الحكم قبل ذلك في تشرين الأول 2004، إلى اليوم، لم تبد حكومة لبنانية رؤية استباقية لأي أزمة، باستثناء حكومة سعد الحريري، التي اقترحت معالجة لمشكلة النفايات المتفجرة اليوم.
حتى حزب الأمين العام الذي أبلغ اللبنانيين يوما أن "ابنوا دولتكم لِنرَ إن كنا سننضم إليها"، ضم "دولتنا" لسلطته، رسميا، بحكومة راّسها لنجيب ميقاتي، و"ولاَّها" السلطة، بتوجيهاته، لنحو عامين، لم يشهد اللبنانيون في ظلها أي تطلعات الى حلول استراتيجية لأزمات عامة وطنية. ربما لأن الحزب لا يفهم إلا في القتال، بدليل أنه لم يضيع الوقت في التردد أمام الولوغ في الدم السوري عندما استدعاه الواجب الإيراني لدعم بشار الأسد، وهو اليوم في الحكم، شريكا في النصف وأكثر، ولم "يفاجئنا" سوى بالمزيد من الغياب عن تعزيز الدولة وقدراتها، وطموح اللبنانيين إلى الأفضل، وبتوريط الإثنين في أزمات المنطقة.
من يأخذ مسافة عن يوميات اللبنانيين لا يستطيع سوى الجزم بغياب الرؤية المستقبلية وبتغلغل الفساد السياسي في تفاصيل حياتهم، إلى حد أن احتجاجهم على أزمة النفايات الراهنة قد يتحول تعبيراً عن الرضا، إذا ما أبدت قياداتهم السياسية إشارات الى استنسابها ذلك. فـ"القائد" على صواب حتى لو أضر بمصالحهم كمواطنين، فهم ليسوا مواطنين،أصلا، بل قاطنون في بلد اسمه لبنان، وهم مياومون في الحياة، كأنهم ينتظرون الموت غدا، ولا داعي لتصورهم كيف يكون هذا الغد.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم