الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

المطران عودة في الذكرى الثالثة لغياب غسان تويني: "اتركوا بلدي يعيش"

المطران عودة في الذكرى الثالثة لغياب غسان تويني: "اتركوا بلدي يعيش"
المطران عودة في الذكرى الثالثة لغياب غسان تويني: "اتركوا بلدي يعيش"
A+ A-

في الذكرى الثالثة لغياب عميد الصحافة غسان تويني، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي تبعه جناز لراحة نفس الراحل في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة، في حضور حشد من المؤمنين.


وألقى عودة خلال الجناز كلمة قال فيها: "نلتقي اليوم مجدداً للصلاة من أجل راحة عزيز على قلوبنا جميعاً، طبع عصره بمواقفه الشجاعة وأفكاره النيّرة ومقالاته الجريئة وخصوصاً بإنسانيته الفائقة التي كانت تنبض حبًّا وديمقراطية ووطنية وقبولاً للآخر وتسامحاً لا حد له. الرجال يمضون لكن ذكراهم باقية. منهم مَن يُذكر بمآثره وحسناته، ومنهم بما اقترفت يداه. غسان لم تلوَّث يداه بما يمكن أن يخجل منه إنسان، ولم يسمح لأيٍ من آفات هذا العصر أن تلوّث عقله الراجح أو قلبه الكبير. فلا الطائفيةُ رأت إليه سبيلاً، رغم تعلّقه بإيمانه وأرثوذكسيته، ولا التعصبُ استطاع أن يتسلّل إلى فكره أو الحقدُ إلى قلبه أو التبعيةُ إلى سلوكه أو الفسادُ إلى عقله وكيانه. بقي نظيفاً، شفافاً، محبًّا، غيوراً على وطنه وإنسانه حتى آخر لحظة من حياته، لذا أقول له هنيئاً لك يا عزيزي غسان لأنك غادرتنا قبل أن تشهد ما نشهده من تقهقرٍ طال جميع المجالات وانحطاطٍ يسود المنطقة وإرهابٍ يستشري. أما التعصبُ الذي كنتَ بعيداً منه بُعد السماء عن الأرض فقد أصبح الحاكم الآمر، والحقدُ الذي لم يعرف إلى قلبك الكبير سبيلاً قد استوطن الكثير من القلوب حتى أعماها، والمذهبيةُ المتخلّفةُ تنمو وتدميرُ الحضارات والآثار العزيزة على قلبك أصبح سهلاً عند مَن لا يدرك أهمية التاريخ وعمق الجذور.


هنا أستذكر كلاماً لك كتبتَه في إحدى إفتتاحياتك: «في استعادة الإيمان وإطلاق مظاهره ما يحرّر المجموعات بل المجتمعات الدينية من العصبية بل التعصب الطائفي الذي يفسدها ويبعدها عن الروحانية ليغرقها في العنف وصولاً إلى الإرهاب» (8/ 12/ 2008).


لقد قلّ الإيمانُ في هذا العصر لذا كثرتْ المفاسدُ وعمّ الحرمانُ والظلمُ والعنفُ والقتلُ والإذلالُ والإستئثارُ والإستغلالُ والقهرُ والتهجيرُ... واللائحة تطول.


رحم الله مَن قال «إنما الأمم الأخلاق...». أخلاقك الرفيعة نفتقدها يا غسان، لأننا نشهد في هذه الأيام تراجعاً في الأخلاق وتصدراً للمصلحة ولو على حساب الأخلاق والوطن والمصير. هل تصدّق أنّ قصر بعبدا ما زال فارغاً منذ أكثر من عام وجلسات انتخاب رئيس تتوالى لكنها تفتقد النصاب، في حين اكتمل النصاب يوماً، من أجل تجديد ولاية المجلس النيابي رغم أنف الشعب الذي وحده يمنح الوكالة ويحجبها. نحن نشهد احتقاراً للدستور بلا حياء، وتخطياً للقوانين دون رفة عين، واستباحةً لحقوق المواطنين وحياتهم دون وجل. والمشكلة أنّ المواطن اللبناني ما زال لامبالياً، كعادته يهتم بما له وما يخصه، والقلة من المواطنين الذين يستشعرون الخطر المحدق يكاد صوتهم لا يُسمع.


أينك يا غسان وأين رفاقك الذين معك أرادوا إصلاح المجتمع والسياسة والإدارة بالفكر، بالكلمة، بالديمقراطية، برفض العنف ومحاربة الفساد وتوخي العدالة والمساواة وتحرير العقول من التشبث والقلوب من الحقد والنفوس من الأنانية؟ كنتَ جزءاً من ضمير هذا البلد وكتبتَ بدم قلبك، كفاحاً ضد اللامساواة والعنصرية والديكتاتورية والتعصب والتكفير والظلامية. أخذتَ من مسيحك تعاليمه واستشرستَ دفاعاً عن المحبة والحرية والحق والعدالة والمساواة. ناضلتَ من أجل وطنٍ حرٍ، مستقلٍ، حضاري، ديمقراطي، لكنّ أحلامك بلبنان تكسّرت وها هو الوطن يتكسّر: فراغ في الرئاسة، شللٌ في المجلس، صعوبةٌ في عمل الحكومة، تنامٍ للدين العام، تراجعٌ اقتصادي واجتماعي... وأكاد أقول انتحارٌ جماعي".


وتساءل: "هل يجوز الإكتفاء بالتفرّج والبكاء على الدولة التي تنهار، مقطوعة الرأس؟ لو كان غسان معنا لكان خاطب النواب قائلاً ما قاله في إحدى مقالاته في العام 2008: «اللبنانيون يستحقون أن يُبذل في سبيل إنقاذهم الغالي والرخيص، بما في ذلك بقية باقية من «كرامةِ» واعتزازِ بعض الزعامات التي لا ينفع أهلَها الحفاظُ عليها ساعة تهون الحريات ويذوب الوطن ويتفكك الميثاق» (النهار 21 / 4 / 2008). ولكان تابع كما في إحدى رسائله إلى النواب: «مطلوب من النواب اعتبار المجلس مفتوحاً حكماً، والمجيء إليه والإعتصام عند الحاجة في الأروقة، بل القاعة... نقترح أن يتوافق النواب وأن يعلنوا ولو من غير توافق، تصميمهم على البقاء معتصمين في مجلس النواب إلى أن يتم انتخاب رئيس بأية صيغة يتمكنون من الوصول إليها» (النهار 14/ 4 / 2008)".


وتابع: "يا عزيزي غسان، لطالما حاولتُ أن أحمّل أفراد شعبنا الحبيب مسؤولية أخذ المبادرة والمطالبة بحقوقهم وحق وطنهم، مسؤولية محاسبة ممثليهم عن كل تقصير وتهاون. كما حمّلنا، مراراً، أحباءنا النواب مسؤولية تطبيق الدستور وانتخاب رئيس لهذا البلد يسهر على وحدته وسلامته. واليوم، في هذه الذكرى، ولأنني مواطن ومسؤول، أحمّل كلّ صاحب قلم في هذا البلد مسؤولية الفراغ. أنتَ نذرتَ قلمكَ من أجل الحق والحقيقة، وهذه قضية حق وعلى كل حامل قلم أن يجنّد قلمه دفاعاً عن هذه القضية وهذا الوطن. كذلك أحمّل حقوقيي هذا البلد المسؤولية. لم يعد مسموحاً لأحد السكوت عن هذه المشكلة فكيف لمن يمتهنون القانون؟ هبّوا إلى إنقاذ وطنكم، طالبوا باحترام دستوره وتطبيق قوانينه وعلّوا الصوتَ ولا تخافوا لأنّ مَن يدافع عن الحق يكون الحق إلى جانبه. وإذا كنا نؤمن فعلاً بأنّ لبنان هو وطن نهائي ووحيد لنا، لنتمسكْ به وندافعْ عنه وننعشْه ونُقِمْه من قعر الوادي ليعود النموذجَ الفريدَ للتعايش والتسامح والإحترام المتبادل بين أبنائه، وطنَ الحرية والإشعاع والإبداع".


وأضاف: "هكذا كان يريده غسان لو كان ما زال بيننا. ولكان قال إنّ لبنان لكل بنيه وواجبُهم جميعاً الحفاظُ عليه، إنما للمسيحيين الدور الأكبر في إحياء لبنان، لا الموارنة وحدهم بل كل المسيحيين الذين، بسبب إيمانهم، وتعلّقهم بالحرية والإنفتاح، وتربيتهم على قبول الآخر واحترامه ولو كان مختلفاً، وأولاً وقبل كل شيء بسبب رسالتهم التي تسلّموها ممن قَبِلَ الصلبَ والموتَ من أجل خلاص البشر وقد علّمهم أنّ المحبة هي الوصية الأولى والعظمى، لكل هذه الأسباب، على المسيحيين أن يكونوا القدوة وأن يعملوا على لَــمّ الشمل ورأب الصدع والتعالي عن الصغائر والعمل من أجل المصلحة العامة لا من أجل أية مصلحة خاصة أو خارجية. لبنان لنا نحن اللبنانيين. لبنان مسؤوليتنا. لبنان ماضينا وتاريخنا لكنه مستقبل أولادنا وأحفادنا. حرامٌ أن نتركه يتهاوى ونحن نتفرج. عيبٌ أن نهتم لأنفسنا على حساب وطننا. وعوض صرخة غسان «أتركوا شعبي يعيش» لنصرخ «أتركوا بلدي يعيش». هنا أستعير مجدداً كلاماً لغسان قاله سنة 2007: «نؤكد حاجة الجمهورية اليوم ـ حيث الزمن زمن نسيان ـ إلى رئيس ينتخبه النواب في المجلس الذي لا يحتله جيش أجنبي، من وحي البطولة الإستقلالية التي لا تزال شعلتها تحمي الأرز وأهله. وأن يكون قادراً في آن واحد على تحدي السجن والإعتقال والإضطهاد (والآن الإغتيال المبرمج) وعلى حمل الرسالة اللبنانية في عالم عربي مضطرب، فيعود لبنان قائداً لا مقوداً، ويكون رئيسه قدوةً للحكام العرب لا آلةً في يد أيّهم، ولا حتى مرآة لإضطراباتهم والأزمات. نعم المطلوب رئيس للجمهورية في حجم جدران المجلس الذي ننتخبه منه وأصداء الرسالات والشرائع التاريخيات... لا تقهره مركّبات النقص التي راكمتها حروبنا في نفوسنا ولا وصايا التبعية» (النهار 24 / 9 / 2007) (...)". 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم