الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الموازنة اللبنانية في وادٍ... والانقلابات العالمية في وادٍ

المصدر: "النهار"
وليد أبو سليمان- خبير مالي واقتصادي
الموازنة اللبنانية في وادٍ... والانقلابات العالمية في وادٍ
الموازنة اللبنانية في وادٍ... والانقلابات العالمية في وادٍ
A+ A-

يدنو الوضع المالي للخزينة العامة من حافة الخطورة بفعل مؤشرات كثيرة لعل آخرها ما كشفه وزير المال أنّه مع نهاية العام الحالي قد يلامس الدين العام الـ72 مليار دولار، وذلك بسبب إهمال الإصلاحات المالية والإدارية، حيث يبدو جلياً أن الموازنة العامة باتت أسيرة صراع إقليمي يمتدّ من باب المندب الى دمشق، وصارت ضحية المناكفات السياسية.


صحيح أنّ الاتفاق النووي أنجز، وهو قيد الصياغة، إلا أنّ الصراع الإيراني- السعودي لا يزال قائماً من خلال اشتباكات ميدانية، آخر تجلياتها كان في اليمن، وهو عبارة عن صراع سياسي- اقتصادي، ذلك لأنّ باب المندب هو المنفذ لأكثر من 8 ملايين برميل نفط خيلجي.
ويمكن القول إنّ الموازنة التي تقدم بها وزير المال هي موازنة ضرائبية- إنفاقية بدليل زيادة الإنفاق العام بنسبة 14%، مع أنها لم تلحظ سلسلة الرتب والرواتب، وقد تخطى العجز الـ7700 مليار، وقد تضمنت ضرائب جديدة.
ولكن لا بدّ من الإشارة الى أنه في حال لم يحصل تحسّن في النموّ العام، فإنّ الواردات الضرائبية لن تكون كما هو متوقع لها، بسبب تباطؤ الحركة الاقتصادية، مع العلم أنّ الموازنة لم تلحظ أي تحفيز للنمو بغية تحسين الضرائب لسدّ الالتزامات المالية، لا سيما وأنّ أرقام الأشهر الأولى من السنة كانت مخيبة للآمال بسبب الشلل السياسي.



كما أغفلت الموازنة مسألة الشركة بين القطاعين الخاص والعام، والتي من شأنها أن توفر على الخزينة العامة الكثير من الأعباء وتقدم فرص عمل للشباب، حيث أثبت قطاع الخلوي نجاح هذه التجربة، والتي يفترض تعميمها على قطاع الكهرباء الذي يكبّد الخزينة العامة سنوياً ما لا يقل عن ملياريّ دولار.
إلى جانب ذلك، يفترض بالموازنة أن تكون خريطة عمل وتتضمن خطة عمل واضحة تعمل على نقل المجتمع من حالة الإحباط الى حالة الانتاج، وهذا ما افتقدته لا سيما لجهة الإنفاق الاستثماري المنتج.



ولهذا أيضاً، فإنّ الارتفاع السنوي لكلفة الرواتب بنسبة 550 مليار ليرة لا يجوز أن لا يكون مقروناً بمبدأ المحاسبة ولا يمكن الاستمرار بالتوظيف السياسي. وإذا ما أضفنا كلفة سلسلة الرتب والرواتب السنوية والتي تبلغ 1200 مليار ليرة، فإنّ قيمة العجز قد تتخطى الـ10 الآف مليار ليرة، وهو رقم مخيف جداً قد يؤثر في التصنيف الائتماني للبنان، والذي إذا اهتزّ مجدداً فستصير كلفة الدين مرتفعة جداً وسيصعب عندها تأمين السيولة للخزينة العامة.
إنّ لبنان، ويا للأسف، ليس على قائمة الأولويات الإقليمية وقد أخفق سياسيوه في استثمار الفرص التي أتيحت أمامهم لكي يحكموا أتفسهم بأنفسهم لكنهم أثبتوا أنهم لا يزالون قاصرين.
وتبعاً للإشارات السياسية السلبية، فإنّه من الصعوبة حصول تفاهم سياسي حول الموازنة بسبب إصرار أحد الأفرقاء على إرفاقها ببراءة ذمة مالية عن 11 ملياراً أنفقت من خارج الموازنة.
في المقابل، فإن المؤشرات الاقتصادية صارت أكثر من داهمة وتستدعي تحركاًً عاجلاً. إذ هناك أكثر من مليون لبناني تحت خط الفقر الى جانب الضغط الذي يتكبده الاقتصاد اللبناني جراء الأزمة السورية والذي تخطى 10 مليارات دولار.
ومع ذلك، لا يمكن إجراء أي مقاربة للوضع الاقتصادي- المالي في لبنان بمعزل عما يحصل من حوله، سواء أكان في المنطقة أم على الصعيد العالمي، حيث لا بدّ من التوقف عند أبرز التطورات: سباق التسلّح في المنطقة، حرب اليمن، وانخفاض سعر النفط.
إذ إنّ انخفاض سعر النفط عالمياً من 110 دولارات الى 40 دولاراً تقريباً، سبق الحرب على اليمن، ما يعني أنّ المسألتين غير مرتبطتين، لا سيما وأنّ الثانية هي من باب تحسين شروط التفاوض المنتظر بين الرياض وطهران.
وما يمكن تأكيده، هو أنّ السعودية هي وفق التقارير الدولية رابع قوة في العالم إنفاقاً على التسلح، وقد أدت الاشتباكات في المنطقة الى إنعاش سوق السلاح، لكن المملكة تخسر اليوم جراء انخفاض سعر النفط كونها المنتج الأكبر للذهب الأسود، حيث لاحظنا في الأسواق المالية أن صناديق استثمار كبيرة أو حتى حكومات ظلّ هي التي تحكمت بأسعار النفط.
هكذا يمكن القول، إنّ سباق التسلح في المنطقة هو عامل طمأنينة لدول المنطقة التي تشهد صراعات عسكرية وسياسية.
في المقابل، ومنذ نحو سنتين، اعتقدنا أن الولايات المتحدة ستتراجع كقوة عظمى بسبب صعود دول "البريكس" وروسيا، ولكن ما حصل هو أن روسيا هي التي تراجعت حيث بدا اقتصادها كرتونياً، فيما بلغت إيران أزمات مالية حادة تجلّت في نسبة البطالة الضخمة.
كما تراجعت العملة الوطنية الروسية ضمن مهلة زمنية قصيرة ما أدى الى تراجع قوتها الاقتصادية، وكل ذلك بسبب انخفاض سعر النفط، وهذا لم يحصل إلا في محطات تاريخية استثنائية. وهذا ما قد يكون دفع طهران الى الجلوس الى طاولة المفاوضات، وقد لمسنا هذا التدهور في سوريا الذي تعاني اقتصادياً ومالياً بسبب شحّ العملات الأجنبية.
بالنتيجة، وعلى المدى البعيد، نرجح أن تكون إيران شريكاً أساسياً للولايات المتحدة في المنطقة كونها سوقاً استهلاكية ضخمة (80 مليون نسمة)، وأرضاً غنية بالثروات الطبيعية من ألماس والنفط واليورانيوم وخصبة للزراعة. وتالياً من غير المرجح أن تترك واشنطن الساحة الإيرانية للأوروبيين.
ولكن أين هي الموازنة العامة من كل هذه الانقلابات؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم