الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

تنقيح القوائم و...الذاكرة!

بقلم زياد بارود
تنقيح القوائم و...الذاكرة!
تنقيح القوائم و...الذاكرة!
A+ A-

في مثل هذه الأيام من كل سنة، تدعو وزارة الداخلية والبلديات المواطنين والمواطنات إلى الاطلاع على "القوائم الانتخابية"، تمهيدًا لتنقيحها، وصولاً إلى تجميدها، لتكون جاهزة لأيّ استحقاق انتخابي آت. هذا التدبير هو إجراء سنوي روتيني وإنما يتعاظم الاهتمام به عشيّة الانتخابات العامة. إلا أن هذه الأخيرة باتت مؤخرًا، بالنسبة للبعض، خاصة جدًّا، فدخلت في سبات عميق، حتى إشعار إقليمي آخر. أما القوائم، فمنقحة، منقحة...


والحال أن تنقيح القوائم يوحي بأن حركة الحياة في البلد مستمرّة: المتوفّون يشطبون والراشدون انتخابيًّا يُدرجون والمتزوجات يُنقلن بالنفوس والنصوص والمحكومون بالتجريد يضرسون... أما بعد...
بين تنقيح القوائم (جمع قائمة، وتعني اللوائح، ولا علاقة لها بالأرجل وما شابه) وبين تنقيح الذاكرة، مسافات من الأخطاء والنسيان وما بينهما من شرخ وهوّة وبعدٍ وانفصام. مسافات تفصل بين ما يجب أن تكون عليه دورية الانتخابات، مثلاً، وبين ما آلت إليه أمورنا التمديدية.
هنا، وزارة تقوم بواجباتها فتنشر القوائم، وهناك، حالة سياسية تنشر الإحباط في الأوادم (جمع بني آدم، وتشمل النساء احتراماً للجندرة).
هنا، قانون يحترم الدستور وما يحيل إليه من مواثيق دولية تقول بضرورة استفتاء الناس دوريًّا، وهناك، قانون آخر استثنائي يذكّر بقوانين الطوارئ التي درجت في شرقنا تحت عنوان أن "لا صوت يعلو صوت المعركة". وأما المعركة فمستمرّة، وكذلك قوافل الضحايا.
في هذا المشهد، يقف لبناني عتيق في لبنانيته، أرهقته معارك الشرق والغرب وأنهكته نظرية المؤامرة وضجّ باسطوانة سايكس - بيكو وخذلته وعود ما قبل التنقيح ليستفيق على وحول متحرّكة تشدّ به نزولاً إلى قعر القعر.



هذا اللبناني العتيق، فقد الكثير: استقراره، أمنه، عمله، مدخوله، راحة البال، مستقبل الأولاد، البطاقة الصحّية، شيخوخته غير المضمونة، وأحياناً بيته اللبناني بمنازل كثيرة... فقد لذّة العيش كريماً ودخل، غير طائع ولا مختار، نادي الزبائنية منتسباً إليه مدى الحياة، أو ما تبقّى منها... لكن ثمة أمراً لم يفقده ولو غاب حيناً وغُيّب أحياناً: ذاكرته وذاكرة البلد. ففي زمن المتغيّرات المتلاحقة، هناك من يريدنا أن نصدّق أن كلّ شيء قابل للانهيار وأن حركة التاريخ تسير دائماً لصالح المتسلّط بقوة بطشه. هناك من يريدنا أن نصدّق أن تاريخنا كذبة، وأن صمود أجدادنا أسطورة، وأن تضحيات أمهاتنا شعر وهباء منثور. هذا اللبناني العتيق يحمل في جيناته ذاكرة جماعية لا بدّ من تنقيحها هي الأخرى، والزمن زمن انتخابات... غير نيابية. هو زمن الاقتراع لمشروع الدولة التي تحمي تاريخاً وجغرافيا، تحمي مواطنين لا رعايا. هو زمن الاقتراع لخيارات إنسانية جامعة بمواجهة الذبح والحرق والتدمير. هو زمن المقاومة بالعين التي تواجه المخرز. هو زمن الاقتراع بنعم أو لا، مع الجيش أو ضدّه ولا رمادية ولا خيار ثالث... وهو زمن اللحظات الحاسمة التي تُدخل القياديين إلى كتب التاريخ مكلّلين أو تُخرج شعوباً من خرائط الجغرافيا محطّمين. تنقيح الذاكرة ينبغي أن يكون، هو أيضاً، تدبيراً روتينيًّا سنويًّا، علّنا ندرك بذلك أن قوائم الشرفاء المناضلين تَلفظ، على حين تنقيح، ناس جبران خليل جبران الذين "يرتعشون أمام عاصفة الحياة فتظنّهم أحياء وهم أموات منذ الولادة ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم"، كما تَلفظ هذه القوائم المحكومين المجرّدين من وطنيتهم، وتُدخل إليها شباب الرشد السياسي والقلب النابض ونساء النفوس الطيبة والعقل الراشد. ولتكن بعدها انتخابات...


@ZiyadBaroud


www.facebook.com/ziadbaroudofficialpage

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم