الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

لبنان وفرنسا أمام الإرهاب: المشهد ليس واحداً

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
لبنان وفرنسا أمام الإرهاب: المشهد ليس واحداً
لبنان وفرنسا أمام الإرهاب: المشهد ليس واحداً
A+ A-

عِوَض أن يوحِّد مَصابٌ هائل كاغتيال الرئيس رفيق الحريري وكوكبة الرجال، اللبنانيين، أمعَن فيهم انقساماً وتفريقاً. وقد تحصل فجيعةٌ أكثر إيلاماً من "شارلي إيبدو"، ولا يتعّظون بأنّ لا مناص من التكاتف. على رغم التمظهر اللبناني بخِصال الفرنسيين كلّما دقَّ كوزٌ بجرَّة، يتّضح عند المِحن أنّ فرنسا، دولة ومواطنين وإعلاماً، يدٌ واحدة ومصيرٌ مشترك، فيما اللبنانيون شعوبٌ ومتاريس إعلامية وبقايا دولةٍ بلا رأس.


حاز الإرهاب الباريسي بعض اجماع الاستنكار اللبناني، وإن درجَت في أحيان، الاستنكارات الشكلية وفق الطائفة المُستهدَفة. لكنّ حرص فرنسا على التماسُك مهما اشتدّ التحدّي وتلقين الشعوب المأزومة عِبراً في الالتحام، بيَّن، من حيث لم يقصد، اهتراء اللُحمة اللبنانية المُهترئة في الأصل، بيد أنّ الفجائع تفضح المزيد من اهترائها.


الفرنسيون المتلاحمون في مقارنة ظالمة مع اللبنانيين
لا تجوز مقارنة التعاطي مع الجريمة، بين لبنان المُستخِف غالباً بضحاياه، وفرنسا التي "تألّقت" في الحِداد. يتيح زجّ السلوك الفرنسي بمظهريه الرسمي والشعبي، والسلوك اللبناني بمظاهره الكثيرة المتناقضة، في تعليقٍ واحد، إمكان الظن بِبَخس حق الفرنسي في إعلاء شأن أمواته، فيما يُكمَن للجيش في لبنان، ويُساق أفرادٌ منه الى الخطف والتصفية، ويستمرّ البعض في اللامبالاة، وتواصل الشاشات برمجتها عارِضةً ما تيسَّر وفاض مِن صخب وطقشٍ وفقش.
هرَع الرئيس فرنسوا هولاند يواكب تحرُّك الشرطة في القبض على المُشتبه فيهما بهجوم "شارلي إيبدو"، وإننا في لبنان من دون رئيس يواكب الأمن في مهماته، ويدعو الى حلٍّ عاجل كلما هدَّد "داعش" وتوعَّد. توحَّدت لغة الخطاب في فرنسا، فلا هذا اعتبر الإرهاب "حادثاً"، ولا ذاك ردَّ عليه بالقول "اصمت! إنه كارثة". جزم هولاند قائلاً إنّ "الاعتداء إرهابي بالتأكيد"، وإنه على "قدر استثنائي من الوحشة"، داعياً الفرنسيين الى الوحدة الوطنية. سانده سلفه نيكولا ساركوزي، مشدداً على "الاستمرار بعزم في مواجهة الإرهاب". توحّد الإعلام إجلالاً لأرواحٍ أُزهِقت، وتعاطى مع الحدث وفق حجمه. 12 ضحية في هجوم وقع نهاراً في قلب باريس، نكسةٌ وسابِقة، فرَضت اتشاح الصحافة بالأسود وتوحُّد الكلمة. أما هنا، فإذ يقع انفجار في الضاحية يشمت بعض أنصار الطيش في مناطق أخرى، والعكس، وفي اليوم التالي تأتي الصحافة على شيءٍ من هذه الغريزية.
واحتشد الآلاف في شوارع ليون وتولوز وباريس متضامنين، ونزل أفرادٌ من النقابات والجمعيات ووسائل الإعلام والأحزاب الى ساحة لاريبوبليك متكاتفين، وأمام كنيسة نوتردام في العاصمة، وتحت المطر، رُفعَت الأقلام لأنّ الحرية مقدّسة. وإن كنا بُعيد استشهاد سمير قصير وجبران تويني وجدنا أنفسنا نلوِّح بأقلامنا، إلا أنّ تكرار المأساة، على الأرجح، تمسَحَنا. توالت التفجيرات والساحات المقسومة، وتوالى تحوُّل الموت قضاء وقدراً. لا يستفزُّ ذبحٌ قراراً حاسماً، ولا توجب مجانية الموت تتنازلاً عن الكراهية. حتى إنّ الشاشات حين افتعلت نشرة أخبار موحّدة رفضاً لحرب غزّة، قيل فيها النكات إذ لم توحّدها المصيبة اللبنانية. لم تنكفئ من تلقائها عن بثّ السموم، فألزمها "المجلس الوطني للإعلام" احترام النفس والآخر.


خلو الموقف إلا من قلّة مدافِعة وحِداد فلكلوري
يُسارِع سياسيون لبنانيون الى تسميع خطاب الإدانة عينه كلما حلّ ويلٌ، وتتدافع الكاميرات صوبهم كأنّهم الحدث. فوضى فلكلورية تعمّ النقل المباشر، ناهيك، غالباً، بهذيان المراسل. في الليل تستمر الحفلة. "سبلاش" مثلاً فيما الجيش يسقط، والذريعة أنّ المشترك سيوجّه الى الأرواح تحية. أو أن تُرفَق أسفل الشاشة عبارات الاعتذار بأنّ تصوير إحدى حلقات الخواء تمّ قبل نزف الدماء الوطنية، والإبقاء على عرض الحلقة دليل الى تجذُّر ثقافة الحياة في مواجهة الموت. لا يجترحون نكاتاً كهذه في فرنسا. يكتفون بالحِداد الجميل. كلّ الصحف تغدو في العنوان العريض صحيفة واحدة. مانشيت "جميعنا شارلي" كما عنونت "ليبيراسيون" اليسارية. وتتوقف حركة سير الحافلات والمترو في باريس دقيقة صمت، ويُفقل بعض المتاجر حزناً. ولا يُستكثّرُ إطفاء أنوار برج إيفل. مشهدٌ يليق بإنسان يقضي ضحية العبث، فكيف إنّ حمل، الى صفة الإنسانية، الموهبة الفنية، ودفع الثمن كشارب وكابو وولنكسي وتينيوس؟



"امتصاص" الحدث الثانوي إعلاءً للمشهدية الدموية
واكب الإعلام الفرنسي مطاردة الشرطة للمشتبه فيهما، لتُبيِّن للرأي العام أنّ الدولة ليست بيان استنكار فحسب، بل هيبة. وجدت أنّ الانشغال بحوادث أقل مصيرية، كتعرُّض بعض المساجد لاطلاق نار، الى متفرّقات أمنية، من شأنه، ربما، أن يغضّ الأنظار عن جوهر الحدث. تجب الحكمة أمام المشهدية الدموية، لا المزايدات في عزّ القهر والتلهّي بالفلتان السائد. رهبة الموت تستدعي إرجاء موقتاً لقذف التُهم واللوم السريع وتراكض المحللين الى تفنيد المصيبة. هذا في بلد زولا وفولتير، أما في لبنان فلا رهبة لشيء. نستثني أحداثاً كبرى تحوز الاهتمام، كالانشغال بميا خليفة ومؤخرة كيم كارداشيان.



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم