الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

هكذا ستستقبل "زحلة النجم الما بينطال"... شاعرها

المصدر: زحلة- "النهار"
دانيال خياط
هكذا ستستقبل "زحلة النجم الما بينطال"... شاعرها
هكذا ستستقبل "زحلة النجم الما بينطال"... شاعرها
A+ A-

تستعد زحلة، لاستقبال جثمان الشاعر سعيد عقل، سيلاقيه الزحليون في رحلته الوداعية الاخيرة في شوارع مدينته، في عدة محطات لها رمزيتها. فبعد انتهاء صلاة البخور في كاتدرائية مار مارون في كسارة، يعبر موكبه حوش الامراء، ويتوقف عند مستديرة مدخل المدينة حيث ينتصب منذ العام 1964 تمثال "آلهة الشعر والخمر"، الذي كان سعيد عقل مع الوزير السابق جورج سكاف، في عداد اللجنة التي شكلّها المحافظ الراحل نصري سلهب، باختيار تصميم النصب الذي يجسد شعار زحلة ويرمز إليها.
المحطة التالية، عند مدرسة مار افرام، التي تقول الباحثة في التاريخ السياسي الدكتورة حياة القرى التي رافقت سعيد عقل طيلة 23 سنة، وسجلت له نحو 100 ساعة تحدث فيها عن حياته الشخصية والعملية والادبية والفكرية، بأن سعيد عقل، لم يعلم في هذه المدرسة فحسب، بل اسسها ووضع لها منهاجا لم يكن تقليديا، ضمّنه الفلسفة والعلوم واللاهوت الخ، وأتى بأهمّ رجالات لبنان ليدرسوا فيها، اذ كان هدفه تخريج النخبة والقادة، متأثراً باليونان ونظام اسبرطة.
وبعد وقفة عند السرايا، يعبر الموكب سوق زحلة التجاري مرورًا بساحة الشهداء، شهداء زحلة. هناك حيث يصدح عند كل مناسبة وطنية او حزبية نشيد:
"وعدي يا لعم بتموتوا ببوز البارودي ابطال،
عزحلة ما بيفوتوا، زحلة النجم الما بينطال"،
الذي تحفظه أجيال زحلة وتردّده نشيدًا لمقاومة المدينة أثناء الوجود العسكري السوري، والذي قليلون يعرفون انه من كلمات سعيد عقل، وأن سعيد عقل أُبعد قسرا عن مدينته عند دخول سوريا بعساكرها الى لبنان. وتشدد حياة القرى، على انه خلافا لما ينشر فان سعيد عقل لم يبارح زحلة نهائيا سوى العام 1987. وتروي عنه في رحلته الاخيرة الى زحلة، أنه على حاجز للجيش السوري على طريق زحلة – ترشيش، بعد ان كان قد انقطع السبيل الى زحلة عبر ضهر البيدر، بادر الجندي سعيد عقل: "استاذ سعيد عقل، الضابط هنا مغرم بك. ونحن في سوريا نحبك، على مدى نصف ساعة كل يوم تبث الاذاعة الرسمية في سوريا اغاني فيروز من اشعارك. الضابط يريد ان يراك ويلقي التحية عليك". فقال له سعيد عقل بان ينادي الضابط، ثم طلب الى سائقه ان يبقى مستعدا للانطلاق بالسيارة بسرعة "عندما تسمعني قلت سطرين". حضر الضابط واغدق على سعيد عقل المديح مبجّلا، وطلب منه بيتي شعر ارتجاليا. فلبى سعيد عقل طلبه ببيتين شعر لاذعين، عبرا عن موقفه من النظام السوري. وفيما استنفر الجندي عند سماعهما، قال الضابط لسعيد عقل "يحق للشاعر ما يحق لغيره، مقبولين منك يا استاذ"، ولم يكد الضابط ينهي عبارته حتى انطلق سائق سعيد عقل بسرعة بالسيارة. تلك كانت الرحلة الاخيرة له الى زحلة. وعندما عاد سعيد عقل والتقى الزحليين العام 1999 ، كان اللقاء في "مجمّع الرحاب السياحي" على تخوم المدينة، اذ رفض رفضا قاطعا دخول زحلة لتواجد السوريين فيها. ليعود ويدخلها، بعد نصف قرن من الغياب عنها، بدعوة من "نادي روتاري"، وأقيم له لقاء في فندق قادري الكبير.
وفي مشواره الاخير على بولفار زحلة سيعبر، موكب سعيد عقل، بسينما "امبير"، التي وقف فيها محاضرا عن "الآلة العقلية وكيفية عملها" وسط اقبال كبيرا.
الملقى ما قبل الاخير عند "الكلية الشرقية"، التي درس سعيد عقل تلميذا على مقاعدها، بادارة الرهبان المريميين (frère mariste) الذين ضمنوها لفترة معينة من الرهبان الشويريين. الى ان اقعده داء المفاصل، عن متابعة دراسته وكان في الصف الرابع او الخامس في ايامنا، وألزمه البيت، فتولّت والدته تعليمه بخاصة الفرنسية، على ما تروي حياة القرى. مضيفة بان سعيد عقل الذي كان يرغب بان يكون مهندسا، لم تسعفه احوال عائلته المادية بعد الانتكاسة المالية التي مُني بها والده، في متابعة تحصيل علمه. وهكذا فان من اصبحت شهادته باحدهم هي الشهادة، ثقف نفسه بنفسه، من دون ان يحصلّ شهادة رسمية. وتقول القرى بان سعيد عقل كان يأسف لانه لم يتقن الانجليزية، وحاول ان يتعلم الايطالية لقراءة دانتي والالمانية لقراءة غوتيه بلغتهما، لانه كان يعتبر ان الترجمة لا تكون وفية للفكرة كما جاءت في لغة صاحبها. عاد سعيد عقل الى "الكلية الشرقية" استاذا في العام 1932. وفي العام 1944 قرأ على عمدة المدرسة وصفوفها العليا، روايته "قدموس"، وهي المرّة الاولى التي قرأ فيها "قدموس" بعد تنقيحها وزيادة فصل عليها، على ما ينقل مدير "الكلية الشرقية" وأمينها العام سابقا اندره بركات عقل عن دفتر يوميات الشرقية.
الملقى الاخير سيكون في كاتدرائية سيدة النجاة التي أحبها سعيد عقل. وفي صرحها تلا "صلاة زحلة" العام 1947، "فاهتزت لها اعمدة الهيكل"، وكان فيها من "الشعور قوة لا تعادلها قوة الرصاص"، على ما كتبت في حينها جريدة "زحلة الفتاة". يومها كان سعيد عقل احد الخطباء في ذكرى اربعين الزحليين جان ابو خاطر ونخلة فران، اللذين سقطا برصاص قمع تظاهرة للزحليين تطالب بالقمح والشعير الابيض لا الاسود. وكانت ذكرى الاربعين ذروة التحام زحلة، في انتفاضتها لحقوقها ولدمائها. هناك من على منبر "سيدة النجاة" تلا سعيد عقل على طريقته الابانا "ابانا الذي في السماوات، فوق آلام الناس وصغارة الناس..." وثم "السلام عليك يا زحلة، يا سيدة النجاة، نجاة لبنان، السلام عليك ايتها التي كانت بفضل اجداد كبار ملاذ الغاضبين للحق، ودرع لبنان، وحامية المدن والقرى..."
قبل وصول الموكب الجنائزي لسعيد عقل الى مدافن بيادر زحلة حيث سيرقد الجسد في مدفن خاص به، سيعبر ببلدية زحلة - معلقة، الذي انتخب عضوا في مجلسها البلدي العام 1963. تجربة اقتصرت على حضوره ثلاث اجتماعات للمجلس البلدي، ظل خلالهما مستمعا، قبل ان يتقدم في الجلسة الثالثة باستقالته معللا فيها اسباب ترشحه واسباب استقالته، على ما تروي حياة القرى التي تحتفظ في ارشيفها بنص استقالته التي لم تُقبل، وظل عضوا في المجلس البلدي رغم انقطاعه منذ حينها عن حضور اجتماعاته.
على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" كتب القاضي السابق الزحلي جورج عقيص، "سعيد عقل لم يوصله المتفجّعون عليه اليوم، او آباؤهم، لاكثر من مركز عضو بلدية، إنها مأساة المفكرين في لبنان، انها مأساة الديمقراطية في لبنان، ديمقراطية المال وغرائز المزارع". فكما صديقه السفير الراحل فؤاد الترك، خذلت زحلة سعيد عقل أيضا مرشحا لتمثيلها في المجلس النيابي، في كل الدورات الانتخابية من العام 1947 لغاية 1972، وكذلك في الانتخابات الفرعية العام 1965 عندما شغر مقعد زحلة الماروني بوفاة النائب يوسف هراوي، على ما تذكر حياة القرى لـ"النهار". لكن سعيد عقل لم يحمل لزحلة ضغينة، بل ظل حتى آخر ايامه يصفها بالعظيمة، وكان يعتبر بان "الانتخابات هي انتخابات زحلة، ولا مرة كانت الكلمة الاولى، في اي عهد من العهود، الا كلمة زحلة".
زحلة واحدة موحدة ستنزل لوداع سعيد عقل، كما تقرّر في الاجتماع الذي عقد في بلدية زحلة – معلقة لفعاليات المدينة التربوية، والاقتصادية، والجمعيات الثقافية والاجتماعية والكشفية، في ظل دعوة مشتركة مع مجلس اساقفة المدينة الى الاقفال العام.
في يوم وداعه، وكما سبق وخاطبها سعيد عقل "اكثر من كل يوم ينتظر الناس ما ستقوله زحلة لتكون كلمة زحلة، كلمة لبنان" في يوم الوفاء لعقل زحلة لعقل لبنان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم