الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

يوم للصدق

حياة أبو فاضل
حياة أبو فاضل
A+ A-

... يوم لم يحتفل فيه لبنان بعيد إستقلال تربع على تاريخه الحديث كل تشرين ثان منذ بداية الأربعينات، باستثناء هذا التشرين. فلبنان اليوم جمهورية بلا رئيس، وبلا مقومات جمهورية. مؤسساته باستثناء مؤسسة الجيش، تعاني أزمات تفكك وعجز. وإنسانه منفصل منذ البدء عن المواطنة الصحيحة، فهو إما تابع لأحزاب سياسية متناحرة، وإما الى مذاهب دينية متنافرة الى حد التقاتل. والزعماء الحكام تابعون إما الى دول طائفية، ديكتاتورية، إقليمية، وإما الى دول غرب مستبدة. وكلها ترسم خريطة لبنان كما تشاء هي، فلا يشاء الشعب، ولا الحكام أصحاب قرار.


وبعد عقود عشرة وعى الشعب انه أيضاً أحد أسباب تفكك الجمهورية، فهو لا يختار نوابه حقاً، وإن فعل فمن باب بيع وشراء الأصوات، بينما تظل عقدة "العظمة" عنواناً إعلامياً كاريكاتورياً يغزل حكايات حكام عظام وشعب عظيم، في وطن إفتراضي ما دخل عالم الحقيقة بعد.
جيد اننا ما احتفلنا بذكرى عيد الإستقلال، فهذا دليل بشائر وعي ان لا إستقلال حقيقياً هناك ولا حتى تركيبة جمهورية متكاملة سليمة. فالطائفية أكلت قلب الوطن، والحكام يشاركون في الحكم على أسس مذهبية. والشعب الممذهب مثلهم لم يسألهم يوماً عن إنجازهم لا في حقول التشريع القاحلة ولا في صحارى التنفيذ.
وكانت الحروب الأهلية والمذهبية، وكان القتل والدمار، وكان تغيير آفاق ومعالم، تغيير قاس ومستبد لمّا حلّ سلام "طائفي" وضعت خيوطه الطويلة والعريضة في مدينة "الطائف" في السعودية، رسمها أمراء الحرب اللبنانية ومن يأمرهم، تلك الحرب التي فتكت بلبنان مدى عقدين تقريباً. ثم وصلنا الى حيث نحن اليوم.
والأمراء ما زالوا أمراء في الحروب وفي السلم، وفي ما بين بين، وكلهم مرشحون لخدمة الجمهورية وأبواب الخدمة مفتوحة أمامهم جميعاً. كذلك أبواب رئاسة السلطات وباب رئاسة الجمهورية المقتصرة على الطائفة المارونية الكريمة مفتوح أمام الأمراء الموارنة المنتظرين كالعادة بصمت رسائل تأتي من الخارج، ومشاغل من هم في الخارج اليوم أهم بكثير من اختيار رئيس للجمهورية التي تتغذى من غياب زمن الحق والعدالة والخير.
في غياب الاحتفال لهذا العام إشارة إيجابية الى اننا ربما عرفنا كم نحن بحاجة الى بناء جمهورية جديدة، "مدنية"، مفصول فيها الدين عن الدولة، طاقمها السياسي محدود العدد وجديد بكامله، فلا مكان إطلاقاً للقديم، وجداول أعمال مؤسساتها مبرمجة وخاضعة للمحاسبة علنّا. عندئذ نتمكن من بناء دولة حقيقية تؤمّن وتحفظ حقوق شعب ما دخل يوماً في حساب من حكم لبنان.
22 نوفمبر يوم تشريني للصدق نادر في زمن اللاصدق.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم