الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"فايسبوك" يخاف العري لا الرؤوس المقطوعة!

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
A+ A-

"فايسبوك" كالمزاج: عَكِرٌ حيناً، وقوامه الصفاء حيناً آخر. تكاد لا تفهم تقلُّب حاله أو سياسته أو خصوصيته الأمنية، كونها تتشدّد وتلين، ثم تتشدّد. بلغ الموقع شيئاً من الاستنسابية، وراح يقدِّم نفسه أحد الغيارى على الأخلاق، الداعين الى عدم المسّ بها. يسارع الى إزالة "بوستات" توحي بالأجساد ووظيفتها الجنسية، وعبارات تشي بغَزَل الأعضاء، ويفرض على الناشر عقاباً يمنعه من التفاعل مدّةً إن تجرّأ وبثّ ما "يهين" أصدقاءه بصرياً. يُستَغرب أنه إزاء مَشاهد الذبح وفيديوات الدم، لا يُطلق أُفاً ولا يرفع من خطورة، إلا قليلاً. أضف أنّ "فايسبوك" يفرض مُشاهدة الفيديوات من غير أن يترك للمستخدم خَيار رفضها. يُشغَّل الفيديو على الصفحة وتتراءى المَشاهد من تلقائها. شأنُ المستخدم ضعيف القلب إن حملت وحشية.


حركة الفيديو في تصاعدها نحو الديكتاتورية
يتحسّس "فايسبوك" من صورة إمرأة عارية، ثدييها مكتنزين، ممدّدة رهن شهوتها، ويتلفّظ بحُكم القيمة على المستخدِم مُصنِّفاً إياه قليل الأدب يستحق أن يُعاقَب بالمنع من التفاعل افتراضياً، أي بحظر اختلاطه بالأصدقاء كأنه مصاب بوباء ولا بدّ من حَجْر. حرصُ الموقع على سُمعة مستخدميه يفرض إلزامهم بسُننه وإن نمّ عن ديكتاتورية. نعود الى مزاجية الموقع، وازدواجية تقويمه "الخطر". أي "خطر" يستشعره من لوحة غوستاف كوربيه عن أصل العالم حتى حجبها مرّات كثيرة؟ يُساء الى المستخدِم بصورة إيروتيكية، فيخشى مارك زوكربرغ عليه من الانحراف، متخذاً إجراءات جاهزة. أما سكّينٌ مسنَّن يحمله "داعشي" يشتهي حزّ الرقاب، وعلى الأرض بشرٌ أذلاء يلفظون آخر نَفَس، فذلك لا "عيب" فيه، يبقى.
قد تصبح الديموقراطية ديكتاتورية من وجهين: إتاحة عرض الصورة أو المقطع المتحرِّك وفرض هذا العرض من خلال عدم التحذير من تداعياته اجتماعياً ونفسياً. يقود "فايسبوك" مستخدميه مرغَمين الى مُشاهدة فيديو إهانة "داعش" أشخاصاً وتركيعهم، الى فيديوات الرجم والركل والسحل. أمكن تشيير العنف عبره، وقلما يُسجَّل اعتراض، علماً أنّ المُراد ليس تمجيد ديكتاتورية المنع وتكريسها حلاً لضبط العنف المتمادي، أو السعي الى حذفٍ ضروري لكل التجاوزات الموجودة في الواقع، المستقاة منه حرفياً.
تتصاعد الديموقراطية المتأتية عن إتاحة العرض الدموي والسماح بتلييكه والتعليق عليه بعنف آخر ربما، أو بالسخرية من الموقف أو التأكيد عليه- نحو ديكتاتورية هي هنا بدأت تسود. يشبه الموقع سياسة زعماء الأنظمة العربية: افعل ما تشاء شريطة عدم التعرُّض لكذا وكذا. وإذا بحال "فايسبوك" هكذا. كأنّه على شفير العدوى "الداعشية"، يرفع مرتبة الـ"ريبورت" عالياً. لماذا يفرض مشاهدة فيديو وإن حَمَل روحاً فرِحة، ولا يُبقي الخَيار بالمُشاهدة أو عدمها وارداً؟


"فايسبوك" مجارياً التورّط في "الداعشية"
سبَقَ أن امتنع "فايسبوك" عن حجب رأس الشهيد علي السيّد موضوعاً على جسده الطريح أرضاً. يُتحفنا "داعش" بمهارته تكنولوجياً، وتوكيد مكانته عبر السوشيال ميديا، فإن بثّ فيديواً عن إعدام أو تنكيل أو تهديد، أتاح "فايسبوك" نشره من غير تعديلات جوهرية تتعلّق بصدّ العنف وتضييق مساحاته. الموقع أمام تلقّف صور الدم والرؤوس المقطوعة وأسنان السكاكين الجاهزة للحزّ، أشبه بمَن يجاري التورّط في الداعشية ولا يُبدي حياله حزماً. مناعة الموقع تجاه الكثافة الدموية هشّة نسبياً، ولا يكاد يستجيب الى استفزاز إنساني فاضح يخوّله الارتقاء نحو المسؤولية. كأنه، كبعض هذا الشرق المتخلِّف، يختصر معركته مع الأجساد الحيّة والشهوة الصريحة.



[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم