الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

تحالف الفاشلين

امين قمورية
A+ A-

تمثل "داعش" خلاصة العفن الذي ابتليت به المنطقة منذ قرون، هي نتاج الأمراض الكثيرة التي نخرت مجتمعاتنا، هي نسيج معقد للادران الطائفية التي تشابكت تاريخياً مع مثيلاتها الثقافية والتربوية والسياسية لتنتج معاً مسخاً مخيفاً يعشق الدم. لكن ظهورها الصاعق الآن لم يكن لينفجر هذا الانفجار العظيم على امتداد الجغرافيا المشرقية لولا التراكم الهائل للسياسات الخاطئة. صعود هذا المخلوق العجيب، هو إثبات لفشل صانعي السياسات في المنطقة وتخبّطهم وتعاملهم البائس مع شعوبهم ومع زلزال التغيير الذي هزّ تونس قبل أن يتمدّد شرقاً وغرباً.
دعك من دعاة التغيير الديموقراطي، الذين يفترض ان يكونوا الوجه النقيض لـ"داعش" والماضي السحيق الذي تمثله، فهؤلاء أصلاً قوة هامشية جداً اثبتوا فعلاً أنهم غير موجودين واقعاً على امتداد خريطة التغيير، ولكن ماذا عن القوى الفاعلة والأنظمة التي صادرت الساحات وأمسكت بتفاصيل المشهد السياسي منذ هزة التغيير الاولى والتي تدعي اليوم رفع لواء محاربة مارد التخلف الأسود الجديد؟
في العراق، "داعش" هي أولاً إحدى نتائج الغزو الاميركي. استبدل المحتل ديكتاتورية الزعيم الفرد بديكتاتورية الطائفة، وعالج تهميش فئة من العراقيين بتهميش فئة أخرى. كان الظلم آفة العراق قبل مجيئه، وبقي الظلم سيد الموقف بعد خروجه وساد معه الارهاب والفساد. رحل الاميركي وكرست الحكومات المتعاقبة ومن خلفها ايران كل الآفات الموروثة عن الديكتاتور والمحتل معاً، وأضاف اليها آفاته حتى صار البلد مرتعاً لشذاذ الآفاق. واشنطن ارتكبت خطايا في العراق لم تصححها النخب العراقية الجديدة ولا حليفتها ايران التي عمقتها وزاد تعميقها خصومها في الخليج الناقمون على توسعها ودورها الجديد.
في سوريا، كما في العراق، ليس غريباً ان يطفو "قرش داعش" على سطح الماء بعدما اذابت البراميل المتفجرة والحارقة طبقة الجليد الرقيقة التي كانت تعزلها. القمع الاعمى للنظام وإصرار حلفائه على مقولة هو أو لا أحد، وهشاشة ما يسمى المعارضة المعتدلة وهزالها وهزلها، وأحقاد "أصدقائهم" ودعمهم السخي والمدمر للمتطرفين من بينهم، ورعونة سياسات "الخلفاء العثمانيين الجدد" وطموحاتهم المجنونة التي لم تترك لهم صديقاً، وانتهاج جميع اللاعبين المحليين والخارجيين الالعاب الانتحارية في أرض ليست أرضهم، وأخيراً الصمت الاميركي المشبوه... أليس هذا كافياً لإطلاق كل الوحوش من جحورها؟
فشل سياسات هؤلاء أوصلنا الى المصيبة التي نحن فيها. واليوم، كل هؤلاء الفاشلين يتسابقون للانضمام الى تحالف لمحاربة ما ساهمت أيديهم وفشلهم في صنعه، بينما الراعي الأميركي الأكبر لهذا التحالف ينتقي من هؤلاء أكثرهم فشلاً لمشاركته في حملته الجديدة. فاذا كان فشل هؤلاء بالمفرق أوصلنا الى ما وصلنا اليه، فما هي النتائج التي قد يرتبها علينا فشلهم بالجملة؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم