الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

البيئة في عكار تُحتَضر: فضائح تطال الغابات والمياه والشواطئ والآثار!

المصدر: "النهار"
عكار - ميشال حلاق
A+ A-

أحدٌ لا يدري كيف ستسير أمور عكار من الناحية البيئية. ذلك ان الانتهاكات التي تتعرض لها غاباتها ومياهها وشاطؤها ومواقعها الاثرية والتراثية تخطّت الممكن، ولا حسيب أو رقيب. الدولة بجميع اجهزتها شبه غائبة، وإن حضرت، فذلك غالباً من باب رفع العتب!


حتى أنّ القسم الاكبر من أبناء عكار بات يعلم أنّ منتهكي حرمات البيئة اضحوا فوق القانون والمساءلة والمحاسبة. والدولة بممارسة سياسة النعامة ودفن الرأس في الرمال، تشجع على هذه الانتهاكات التي باتت تهدد البيئة وتراثها التي هي ثروة وطنية ليست ملك أحد، والقانون والدستور كفلا حمايتها على اعتبار انها "ثروة وطنية". 
المياه الجوفية والسطحية طالتها أسوأ انواع التعدي، وباتت مياه ينابيع عكار وآبارها الارتوازية اعتباراً من ارتفاع 800 متر عن سطح البحر وما دون، ملوثة بفعل مجاري الصرف الصحي المحولة عن عمد الى مجاري المياه الشتوية والأنهر التي تروي في معظمها القسم الاكبر من الاراضي الزراعية، وهذا يحمل اذى فاضحاً للبنية الزراعية التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد أبناء المنطقة ساحلاً ووسطاً.


كما ان تحويل بعض مجاري الصرف الصحي في غير بلدة عكارية الى الابار الارتوازية التي جفت مياهها، سبّب هو الاخر ضرراً للمياه الجوفية ومياه الحفر الصحية التي نفدت في 216 بلدة وقرية عكارية منذ زمن، من دون ان تتوافر فيها مواصفات انشاء هذه الحفر التي تتسرب مياهها الآسنة الى باطن الارض. عوضا عن ذلك، فإنّ الابار الارتوازية المنتشرة في شكل عشوائي، والتي لا يزال حفرها قائما، ساهمت هي الاخرى في شفط المياه الجوفية السليمة الاخذة بالتراجع لتحل محلها بفعل المتساقطات المائية الشتوية مياه ملوثة بفعل المجارير والادوية والسموم الزراعية التي تستخدم في شكل عشوائي ومضر من دون اي حسيب أو رقيب. ولعل ارتفاع ملوحة الاراضي الزراعية خصوصاً في سهل عكار، اكبر دليل الى مدى خطورة الأمر. 
اما غابات عكار، فحدّث ولا حرج. القطع الدائم يتم ليلا ونهارا، وهو قطع منظم و"محمي"، حتى أن مأموري الأحراج بعددهم القليل باتوا عاجزين على تسطير محاضر ضبط في حق المخالفين الذين يدعون الحصول على تراخيص بالتشحيل والتفحيم من وزارة الزراعة، وهم بالتالي يتخطون رقعة العقارات التي منحت على أساسها هذه الرخص لتطاول ايديهم الاشجار الحرجية في محيط عقاراتهم. وما حصل في بلدة بزبينا أخيراً نموذج عن المجازر المرتكبة في حق الغابات التي تتعرّض سنوياً للحرائق وعمليات القطع والجرف، ولم يتمّ توقيف اي من المعتدين. 
وللتعدي على الاملاك البحرية والنهرية اساليب اخرى. صحيح المنشاة السياحية غير موجودة على شاطئ عكار- وهذا امر ايجابي- الا ان عمليات شفط الرمال واستباحة الشاطئ مستمرة منذ اكثر من عشرين سنة، وزحف مياه البحر في اتجاه اليابسة مستمر أيضاً، فالجرافات والشاحنات والجرارات الزراعية تعمل ليلاً نهاراً، وثمة من يعمل على هواه ولا من يسأل!


وأضحى شاطئ عكار الممتد من نقطة العريضة الحدودية حتى مخيم نهر البارد "مهدوراً دمه"، بعدما تخلت الدولة عن مسؤولية حمايته. سرقة الرمال باتت منظمة، ولكل "شافط" رمل حصته ومساحته التي يعرفها "الشافط الاخر". ورُسمَت حدودٌ على هذا الصعيد يعرف الجميع اهمية الالتزام بها وعدم التطاول على مساحة الاخر! انها محميات خاصة، اين منها محميات المنتجعات السياحية التي استباحت شواطئ غير منطقة لبنانية. ويفترض ان الشاطئ مراقب امنياً منذ ازمة مخيم نهر البارد حتى بدء الازمة السورية. 


انتهاكات الاملاك النهرية ليست بأقل أذى. فالانهر طاولتها تعديات شتى بسبب الابنية وتوسع الاراضي الزراعية، وحين اتخذت وزارة الاشغال على امتداد السنوات الماضية تدابير لـ"تعزيل" مجاري الانهر تحسبا لفيضاناتها، بات متعهدو "التعزيل" انشط تجار بيع الرمال. ولعل شاطئ العريضة حيث مصب النهر الكبير في المتوسط خير دليل الى تجمّع تلال الرمل المشفوط من مجرى النهر ورمال مساحات شاسعة من شاطئ المنطقة. الأمر هكذا عند مصب نهر الاسطون ونهر عرقة ونهر البارد. 
اما بالنسبة الى الكسارات ومحافر الرمل المنتشرة في غير بلدة وقرية عكارية، فمن يسمح لبعضها بالعمل، في حين تقفل الابواب أمام كسارات أخرى؟ واين هو قانون تنظيم عمل الكسارات؟ مئات الشاحنات المحملة برمل وبحص وصخور جبالنا تعبر ليلاً نهاراً مختلف المناطق العكارية!
اما قضية المواقع الاثرية وعمليات النبش غير الشرعية التي تحصل في مختلف قرى وبلدات عكار، فملف كبير لا يجوز السكوت عنه، حيث ان صور القطع الاثرية التي يعثر عليها النابشون غير الشرعيون، تباع وتشرى عبر وسائط التواصل الاجتماعي "والواتساب"!
اين مسؤولية الدولة، والمجتمع المدني الذي لم يتحرك منذ اكثر من عشرين سنة في مواجهة هذه الانتهاكات، واين مسؤولية البلديات؟ اسئلة كثيرة فمن يجيب؟
وحدهم الناشطون البيئيون الذين طالما نادوا وصرخوا يحاولون، ولكن اذان بعض المسؤولين صماء عن صراخهم. 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم