الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

سوق النحاسين في طرابلس...بصمات جمالية وتاريخ صامد (بالصور)

المصدر: "النهار"
طوني فرنجية
A+ A-


"سوق النحاسين" واحد من أعرق الاسواق وأكثرها شهرة في طرابلس، وهو يعود إلى عهد المماليك، وثمة من يؤكد أن السوق نشأ قبل اكثر من 800 عام. ولعل أهم ما يميّز هذه المهنة هو جمعها بين الفن و الصناعة، إذ أنها تمتاز بـ"نقشات" جمالية تضاف إلى جودة المصنوعات . ويمتد السوق من "حمام عز الدين" الى محلة "التربيعة" ومنها الي السراي العتيقة، ويعتبر بمثابة الحد الفاصل بين "سوق البازركان" ومحيطه، وبين "خان الخياطين" والاحياء التي تؤدي الي "سوق حراج" و"بركة الملاحة".


قيمة الاعمال


رغم ما شهده السوق من تغيّرات منذ كارثة طوفان نهر ابو علي في خمسينيات القرن الماضي والتي ادت الى تقسيم السوق نصفين وفتح الطريق أمام السيارات، وما ساهمت به الحرب الاهلية في تهجير المحترفين، وغزو السوق من البضائع المستوردة، واستبدال الناس الاواني النحاسية بالستانلس وغيرها من المعادن، عادت قيمة الاعمال النحاسية وجودتها ورفع مستواها لتنتقل من المطابخ الى الصالونات، فأضحت الاواني والأراكيل والمناقل والصواني والجرار النحاسية زينة تتفاخر السيدات بجودتها وقيمتها المادية.


كما ان بعض العائلات الطرابلسية تمكنت من تطوير مهنة الاجداد، فتحول سوق النحاسين تحفة تاريخية جذبت اللبنانيين والسياح العرب والاجانب، وشكلت مهارة النحاسين في الرسم والنقش علامة فارقة في الصناعة اللبنانية، لكن يبقى لاصحاب المهنة والاحتراف عتب على الدولة، لانها دائما كانت غائبة عنهم. اذ يطلب اصحاب هذه الحرفة من الدولة، ومن وزارة السياحة خصوصاً، أن تكون هداياها من انتاج سوق النحاسين، وهي أقل خدمة يقدمونها لمساعدة هذه الحرفة على الصمود والبقاء، خصوصا وأن العائلات الطرابلسية التي تداولت هذه المهنة وهي "طرطوسي" و"عزّو" و"طلحة" و"حسون"، ويشكل انتاج السوق مصدر رزقها الوحيد.


خلية نحل


يقول احد ابناء الحاج طرطوسي الذي ورث المهنة عن والده: "لقد كان سوق النحاسين كبيراً يضم عشرات المتاجر، ويمتلئ بأجمل النحاسيات من مناقل شرقية و"صدور" عربية وسيوف وتحف فنية، بالإضافة الى الطناجر والمقالي والأدوات المنزلية التي كان يحتاجها كل منزل. وكان السوق خلية نحل دائمة سواء في عملية التصنيع أو في عملية تبييض النحاس، حيث كان لزاماً على ربات المنزل أن يبيّضنَ الطناجر كل عدة أشهر أو حتى مرة في العام كحد أقصى".


ويضيف: "كانت صناعتُنا في الماضي مزدهرة جداً، وكان سوق النحاسين أول المصدِّرين للصناعات النحاسية، وكان السياح يحرصون على زيارة هذا السوق وابتياع بعض التذكارات النحاسية التي تنال إعجابهم، ولكن مع الأسف فقد تراجع عدد السياح". ويأمل طرطوسي "أن تتحسن الأوضاع في موسم الاصطياف".


الحاج عمر احد مرتادي السوق، يشير الى إن سوق النحاسين "كان من أروع الأسواق في طرابلس، وكان يشكل امتداداً للأسواق الطرابلسية، فعندما نمر بسوق العطارين نشتم رائحة العطارة وهي تملأ الأجواء، وعندما نمر في سوق الذهب تبهرنا أبهى الحلى المعروضة، وعندما نمر بسوق البازركان نمر وسط مهرجان من الأقمشة المحلية والأجنبية، إذ كان كلُّ سوق يمتاز بنوع معين من المعروضات والسلع، كذلك سوق النحاسين الذي أخذ اسمه نسبة لهذه الصناعة التي كانت موجودة فقط في هذا السوق، أما اليوم فلقد تغيّر كلُّ شيء، ولم تعد الأسواق كما كانت في السابق، وما يحصل في سوق النحاسين هو امر تعاني منه باقي الأسواق في طرابلس". ويرى ان على الجهات المعنية الاهتمام "بإعادة إحياء هذه الأسواق وإقامة مهرجانات خاصة بكل سوق ودعمه، وهذا أمر نافع جداً ومجدٍ. فخان الصابون على سبيل المثال يعتبر من أنشط الأسواق بسبب الاهتمام به ورعايته إعلامياً ومعنوياً، ويجب الاهتمام بالأسواق كافة على المنوال عينه، لأنها تشكل قلب طرابلس وتاريخها وحضارتها.


فاطمة طرطوسي تعتبر اول فتاة طرابلسية احترفت هذه المهنة حيث بدأت حرفيتها تظهر في عمر السبع سنوات، وهي ترسم وتنحت وتنقش وتجلي بيديها القطع النحاسية، ثم تطور عملها وأبدعت في صنع الصواني والسلال والاواني على مختلف انواعها.


وتقول فاطمة: "انها مهنة تحتاج الى ذوق رفيع اضافة الى اتقان الرسم والنقش، وتحتاج الى التطوير بالعلم".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم