الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

حقاً قام

حياة ابو فاضل
A+ A-

اشتقتُ اليكَ، قلتُ، اشتقتُ اليكِ. قلتَ، ما زلت صغيرة يا بنت، وفي جعبتكِ كالعادة اسئلة كثيرة، أما اقتنعتِ بعد؟ ليتني أستطيع لمس يدكَ، حتى وأنا صغيرة ما استطعت يوماً أن أضمك. هو ليس حقيقة، كنت أقول، هو ابن الخيال، وكنت اشبك ذراعي، حول جسدي، ها أنتِ قد ضممتني الى قلبكِ كما تشتهين، كنت تقول ضاحكاً فأشاركك في الضحك، ومثل كل الصغار ما فرّقت يوماً بين الحقيقة والخيال: ألا يخرج أحدهما من الآخر؟


حتى لمّا بقيت صاحية ليلة الميلاد كي أرى بابا نويل يحمل كيسه ليضع هديتين، واحدة قرب سرير أختي وواحدة قرب سريري، جاء بابا لا بابا نويل، وصدمت وبكيت، فهناك "كذب" لا أفهمه لأنني لا أعرف كيف أفرّق بين الحقيقة والخيال، إلا انني تساءلت: هو عيد ميلاد يسوع الصغير فلمَ آخذ أنا هدية لا هو؟
وما زلت لا أعرف مَن جذب مَن الى عالمه، أنت أم أنا؟ هدية الميلاد ساحرة تحمل جديداً غامضاً يدفئ شتاء يحدّ من حركة الصغار، فلا مشاوير الى الغابة لاكتشاف هدايا الأرض... حتى يخرج الربيع من نافذة الشتاء وتنشغل أمي في انتقاء فساتين الشعنينة وأحذية جديدة. ولولا تفاصيل حركتك بين الميلاد والصلب ثم القيامة لما كانت لنا نحن صغار الأمس البعيد محطات تغيير بين الفرح والحزن. فما يكاد يشرق صباح يوم "الجمعة الحزينة" حتى نركض من جديد الى الغابة لنحمل اليك زهورها الجديدة، النضرة، نضعها على قبرك دامعين، بينما يرتل الكاهن حكاية صلبك والمسامير والجلد والشوك ودموع العذراء الرائعة، وهلع الرفاق والتلاميذ ومريم المجدلية. فقد أتيت أنت بجديد وعي الى عالم الانسان فمزجه بقديم مظلم ما زال يقيّد ادراكه.
كل هذا وأنا على ضفة فهم لعبة "الالوهة" في رحلة اختبار لحياة الانسان على الارض بكل ما فيها، وما التقط قلبي إلا صورتك طفلاً ثم رجلاً ما عرف إلا الحب، جذبته حياة الارض بلا شروط وبلا جدران وبلا حكايا فداء وخلاص وخطيئة وثواب وعقاب، بلا محكمة، فكل هذا كان من نسيج وعي انسان قديم ما زال يسير ببطء شديد متعثر على درب فهم لغز الحياة، وكم كررت ان مفتاح اللغز هو الحب.
وتحدثت عن أبيك الذي في السماوات، إلا أنك قلت ايضاً: ملكوت السماوات في داخلكم. وأحببت كثيراً ما جعلك تفهم جهل وتخلف الانسان الذي أبقى حتى يومنا بهاء اسرار زيارتك للارض قبل الفيتين أسير وعي "انسان قبل الفيتين": انسان فهم محطاتها من باب تحقيق نبوءات قديمة تمجّد قدرة الانبياء القدامى على استشراف الغيب. وظلّت حتى اليوم أسير مؤسسات دينية تبث رسالتك الجديدة ملفوفة بوشاح "يهودية" ملتبسة، ما تحررت المسيحية منها بعد، فوقفنا عند "حقاً قام" نرددها ببغائياً كل ربيع، والوعي مقيّد والمسيرة طويلة تتكرر كنفق بلا نهاية بعيداً من "حق يحرر" حتى الثوب الجديد من رقعة قديمة... فهل من ضوء؟ لو تتدخل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم