الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

وردة صفراء لغابو

المصدر: "النهار"
رلى راشد
A+ A-

أتصوّر غابرييل غارثيا ماركيز على متن باخرة تحفر الأخاديد على سطح مياه نهر ماغداليا. أراه متلبّسا هيئة فلورينتينو أريزا في الشيخوخة المتقدّمة والى جانبه فيرمينا دازا، يستسلمان الى حبّ إستعاداه متأخّرين، يستظلاّن راية الوباء الصفراء تحملها السفينة البخاريّة في مشوارها، ذريعة تمكنّهما من الفرار من صخب العالم صوب اللا وجهة.


أتصوّر غارثيا ماركيز أحد قاطني مدينة متخيّلة بإسم ماكوندو قامت على حكاية سبعة أجيال بل سبع طبقات، من سيرة أسرة بوندييا.
أتصوّر غابرييل غارثيا ماركيز مطرّزا بأوسمة البطريرك في خريفه، صاحب الحيوات المتناسلة المحروم هوية، طاغية يحكُمُ بقبضة من حديد يستخدم القمع تارة ويستعين بالأبوة المنافقة طورا.


أتصوّر غارثيا ماركيز كولونيلا لا يسأم من ترقّب نيل مستحقاته الحكومية.


أتصوره في وسط تراجيديا إغريقية رجلا يدعى سانتياغو نصّار يفصحُ عن موته المعلن منذ لحظة التأليف الإستهلالية.


أتصور غارثيا ماركيز في رحلة فوق الأطلسي تدعوه خلالها رؤية شابة فاتنة غارقة في النوم الى جانبه، الى التأمّل في قدر حب عجوز لفكرة الشباب المتمثل بامرأة. أتصور ماركيز العجوز يفك لغز أجساد النساء المتواريات الغائبات عن الوعي، ويعرف سعادة جديدة مع دلغادينا ولا يريدها أن تموت بعد أن يسرقها النوم مخدرة، كما عند الياباني كواباتا. أتصوّره يراقبها على وشك الاستيقاظ والاستعداد لتلقّف الحبّ مرة أخرى.
أتصوره على عكس اقتناعه في شأن التباس الناس، واحدا في حياته الخاصة وفي حياته الأخرى السريّة.


أتصوّر غارثيا ماركيز في جميع الشخصيات التي سكنت الرواية والقصة القصيرة، مجبولا بنكبات أميركا اللاتينة وعزلتها المتكررة الى ما لا نهاية.


أتصوره مراسلا ومعلّقا وكاتب عمود ومراسلا دوليا ومحررا في صحف أجنبية، يبلور لغة خاصة ويطوّر موضوعات محتملة. أتصوره كاتبا عن "لغز التشافيزين" (نسبة الى تشافيز) وشغوفا بكاسترو ومفتتنا بشاكيرا. أتصوره متخاصما مع صديق العمر ماريو فارغاس يوسا بسبب امرأة، ومتصالحا معه بسبب الخشية من بشاعة الحقد.


أتصوره ينظر من فوق صوب مسقطه كولومبيا التي نكّست أعلام الفرح لثلاثة أيام. أراه حاملا وردة صفراء يلوح بها من بعيد.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم