الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حرقة الحُب في حلقي

المصدر: النهار
بتول دندشي
حرقة الحُب في حلقي
حرقة الحُب في حلقي
A+ A-

دُقَّ بابي اليوم، وعلى غير عادةٍ، لم أرتّب وجهي بسرعة قبلَ أن أفتح. اكتفيتُ بمسحةِ ماءٍ خفيفة على شعري، وتغطية بضعِ كدمات زرقاء، قال لي الطبيب إنها تجلطات.

لا بأس. لن تقتلني الآن. ما زالَ أمامي نصّ طويل لأكتبه.

أو لأحذفه.

نظرتُ من عينِ الباب، هههه... ضحكتُ هكذا، بالطريقة التي قرأتم فيها هذه الكلمة. مددتُ أصابعي، شددتُ القفل الحديدي، ووقفت أمامَ زائرتي. أسندتُ رأسي إلى دفةِ الباب اليمنى، وأشرتُ إليها بيدي اليسرى أن تفضلي بالدخول.

سارت بهدوء هذه المرّة، تتفحصني بحذر، وأنا أميل بشفتيّ قليلًا، كمحاولة للابتسامة الساخرة. أشرتُ لها أن تجلس في أي مكان. ما عادت قدسية الأماكن تعنيني.

كلّ هذا ونحن في صمتٍ جميل. كنوع من نفاد كلمات العتب. وأنّ لا شيء مهم الآن .

اقتربتُ من المذياع. نعم، ما زالت تفاصيلي قديمة، وتقليدية، ومملة. بحثتُ عن أيّ شيءٍ ليلعبَ دورَ الخلفية الموسيقية للوحتنا الصباحية الفجائية.

هل حدثَ ورتّبتم أنفسكم، استقبالًا لشعورٍ ما؟

لا بأس.

وضعتُ كوبين من الشاي، وبعضَ الكعك على الطاولة. وأشرتُ إليها مجدّدًا أن تأكل. لكنّها قبضت أصابعها، وصارت فجأة تقضمُ كفّ يدها المكوّر. تهتزّ، وترتعشُ لوحدها. تعلّقُ نظرها على السّقف، وتصدرُ شهيقًا مخزيًا.

جلستُ قبالتها. حرّكتُ رأسي يمينًا ويسارًا وزممتُ شفتيّ،أن لا حيلة لي.

لحظات، وسكنت. مدّت لي وهي ترتجف أصابعها التي تشوهت من القضم، في محاولة منها لأن أكتب أي شيء بها. انحنيتُ، مسحتُ على خدّها، احتضنتُ أصابعها الزرقاء. وأرجعتها نحو جسدها. وقُمت.

أخرجَت من جيبِ فستانها العفِن صورة، وقلادة، ومحادثات كثيرة، وعلبة رسائل صدئة، وردة اصطناعية، آلامًا وأحزانًا، مَشاهدي وأنا أبكي أمام الناس، قصائدي ونصوصي القديمة، الحقل المعجمي الذي اعتدت استخدامه... ظلت تُخرجُ تفاصيل ذلك الحبّ. وأنا أكتفي بالمشاهدة. أحدّق بها متأسفة. وأحني رأسي بين كتفيّ.

نهضَت، مشَت بخطاها المتثاقلة. تبعتها بصمت حتى الباب. كلّ هذا، ولم تنطق بحرف. فتحتُ الباب، وأشرتُ لها أن تخرج. وقبلَ أن ترحل قلتُ لها:" آسفة يا ذكرى، لم يعد غيابه يغريني بالكتابة، ولا حتّى أنت التي تطلين عليّ كل فترة كي أكتبَ عنك، وأمجّدكِ وأمدَّ في عمرِ تعذيبِك، آسفة، يا ذكرى، لم يعد أمر الكتابة عن هذا الحب يهمني. لقد رحل، وارحلي معه رجاءً. ولا تجهدي نفسكِ عناء القدوم."

أغلقتُ الباب، عدتُ إلى مكاني. أمسكتُ كوبَ الشّاي، شربته دفعةً واحدة، كويتُ به حبالي الصوتية. أغمضتُ عينيّ على ألمٍ لذيذ، واستشعرتُ حرقةَ الحُب في حلقي. وسريانه تحتَ تجلطات يدي.

أمسكتُ قلمي، كتبت، قتلت.

وأنهاني النص الطويل.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم