السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

إنتفاضة داخل الأحزاب السياسية وتحرير البلديات بهدف إنجاز ثورة ناجحة

المصدر: النهار
ماريو الخوري- مستشار إستراتيجي
إنتفاضة داخل الأحزاب السياسية وتحرير البلديات بهدف إنجاز ثورة ناجحة
إنتفاضة داخل الأحزاب السياسية وتحرير البلديات بهدف إنجاز ثورة ناجحة
A+ A-

شكّل انفجار "بيروتشيما" نقطة التحوّل التي أفضت إلى أكبر مواجهة مع الطبقة السياسية الحاكمة، فعاد الناس إلى الشارع فيما زالوا يدفنون أحباءهم ويضمّدون جراحهم. خرجت مشاعرهم عن السيطرة وينتابهم شعور كبير في الثأر من هذه الطبقة السياسية. فقد بات من الواضح للجميع، منذ اتفاق الطائف عام 1989 وحتى انفجار "بيروتشيما"، أن لبنان يواجه مشكلة جوهرية في الحوكمة لسببين أساسيَين:

1ـ الفساد المستشري في الطبقة السياسية

2ـ النزاع الطائفي على الحكم،

هذان السببان ناجمان عن النظام السياسي المعتمد منذ نهاية الحرب.

عام 1989، أفضى اتفاق الطائف إلى نقل صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء، في سعيٍ واضحٍ لتقسيم السلطات وتعزيز الطائفية وإحكام السيطرة خلال الوصاية السورية. سمح ذلك للقادة السياسيين ببسط سيطرة أحزابهم السياسية المطلقة وباستشراء الفساد الهيكليّ والمعمّق والمفضوح بمباركة النظام السوري. كان من المفترض باتفاق الطائف أن يُرسي السلام في لبنان، إلاّ أن البلد شهد حروباً واغتيالات وانفجارات. ما زالت الميليشات الفلسطينية تحتفظ بسلاحها، وتفوق قدرة حزب الله العسكرية من حيث المعدات والمواد قدرة الجيش اللبناني. ينتشر السلاح بشكل غير متفلت في لبنان. تدفق إليه أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري. طُبّق مخطط بونزي الاحتيالي وأدّى إلى انهيار الليرة اللبنانية والاقتصاد اللبناني. والأهم من ذلك أن الأحزاب التي من المفترض أن تكون العمود الفقري لتوصيل صوت الشعب وترسيخ الحياة السياسية في لبنان هي أحزاب تابعة لقادة سياسيين فاشلين يدينون بولائهم إلى حكومات غير لبنانية. لسوء الحظ، وُلد بصيص أمل بولادة لبنان جديد يعد بالتغيير بعد عام 2005، غير أن الأحزاب السياسية غير الفاسدة شاركت في النظام واستفادت منه وسرعان ما خيبت أمل الشعب اللبناني ودفعت به إلى الثورة في تشرين الاول/أكتوبر 2019.

إذاً، كيف نكسر هذه الحلقة المفرغة ونُحكم سيطرتنا على الساحة السياسية ونحقق نتائج إيجابية سريعة للشعب؟ كيف نوظّف الثورة لإنجاز تغيير سريع وفعّال؟

1. استعادة الأحزاب السياسية من قادتها الفاسدين

بات التحزّب بمثابة لعنة في الحياة السياسية اللبنانية. تحوّل كلّ من يدعم حزباً ينتمي إليه أو يؤمن بمعتقداته إلى عدو للثورة، وهذا خطأ. في الواقع، يحتاج كلّ تغيير سياسي مُستدام وفعّال إلى هيكلية سياسية لا يمكنها أن تنضوي تحت المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية إما لأنها ضعيفة أو لكونها غير مُستدامة. إن الثورة مبنية على مقولة "عدو عدوي فهو صديقي" ولا اتفاق واضحاً بين المتظاهرين على مشروع ما بعد الثورة. لضمان الفعالية والدفع باتجاه التغيير الفعلي، يجب أن تتواجد هيكلية حزب سياسي يعتمد أجندة وبرنامج ونهج حوكمة واضحة. كلّنا كنا نصرخ "كلّن يعني كلّن" حاملين ضمنياً معتقداتنا التي كانت تتوافق مع معتقدات حزب سياسي معين على الأقل كنا قد دعمناه أو صوّتنا له أو كنا أعضاء رسميين فيه. لماذا علينا إعادة ابتكار العجلة في الوقت الذي تكمن مشكلة الأحزاب السياسية الحالية في قادتها وغياب المحاسبة الداخلية؟ إن اصبح السياسيون خارج أحزابهم، يخرجون تلقائياً من التعاطي في الشأن العام، وعليه فإننا بحاجة إلى استعادة الأحزاب السياسية من القادة الفاسدين ووضع إطار مناسب لإحداث تغيير على المستوى السياسي، بحيث تؤدّي الأحزاب السياسية دور مؤسسات سياسية قوية تتمتع بمحاسبة داخلية وتعقد انتخابات شفافة وتسمح بتداول منصب القيادة. بالإضافة إلى ذلك، وكخطوة مباشرة بعد مطالبة أركان الثورة إجراء انتخابات نيابية مُبكرة، يجب إجبار الأحزاب السياسية على إجراء انتخابات داخلية شفافة في مؤسساتها للسماح للمحازبين باختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية عوضاً عن ترك هذا القرار لقادة الأحزاب الذين يختارون المرشحين انطلاقاً من صفقات مثيرة للشبهات. وعندما تفشل هذه المحاولة، علينا أن نتّسم بالشجاعة الكافية لتشكيل أحزاب سياسية منظّمة تلبّي تطلّعاتنا وتعتمد برنامجاً فعلياً يمكننا الاتفاق عليه.

2. تحرير البلديات من الحكومة المركزية الموبوءة

صحيح أن النزاع الديني/الطائفي نزاع تاريخي وليس فقط محلياً، غير أن العبء الذي يفرضه على الحكومة المركزية وعلى لبنان ثقيل جداً ويتعذّر تحمّله، كما أنه لا يسمح باعتماد آلية موحدة لصنع القرارات، بدءاً من الوقت الذي يستغرقه تشكيل حكومات، إلى شلل عملية الحكومة والفساد المستشري على كافة المستويات وغياب المحاسبة وصولاً إلى الحاجة المستمرّة للتنسيق مع الحكومات الأجنبية. أدّى ذلك بدوره إلى فقدان ثقة اللبنانيين الذين يريدون تحقيق تغيير في حياتهم اليومية: حيث يعيشون ويعملون ويتعلّمون وحيث يحصلون على خدمات الاستشفاء. لتحقيق هذه الغايات، ينبغي على البلديات أن تنأى بنفسها عن فساد الحكومة المركزية وتبدأ بتعزيز الحوكمة المحلية. لذلك، على البلديات أن تتحد وتثور على الحكومة المركزية باتخاذ الإجراءات التالية (على سبيل الذكر لا الحصر): 1. إصدار بطاقات الإقامة البلدية التي تمنح ميزات للسكان دافعي الضرائب المحلية؛ 2. بناء تحالفات مع مؤسسات أجنبية ومنظمات غير حكومية للحصول على تمويل مباشر للمشاريع المطبّقة على المستوى المحلي؛ 3. وقف التعاملات المالية مع الحكومة المركزية؛ 4. تعديل القوانين الضريبية التي تدعم التنمية المحلية؛ 5. تقديم حوافز للمؤسسات الخاصة للاستثمار في البلديات المحلية والاستفادة مباشرة من استثماراتها؛ 6. ضمان شفافية كاملة للميزانيات المالية وإمكانية اطلاع السكان المحليين عليها.

كلّ ذلك لا يعني أن مطالب الشعب اللبناني في التظاهرات المتتالية منذ تشرين الاول/أكتوبر 2019 ليست عادلة وأن آلامهم غائبة أو أن الحاجة للتغيير ليست ملحّة. بل يعني ضرورة توجيه الجهود لتحقيق تغيير لا يُفضي في النهاية إلى عودة الطبقة السياسية نفسها إلى الحكم تحت أشكال مختلفة. كما يعني أن تتحوّل الأحزاب السياسية إلى مؤسسات مُعاصرة مبنية على الديمقراطية والمحاسبة والتغيير، تلبّي تطلّعات الشعب اللبناني وشبابه اليوم وفي المستقبل. ويعني أخيراً اتخاذ خطوة باتجاه تأسيس نظام سياسي لبناني جديد قائم على المناطقية، قادر على تلبية تطلّعات السكان ويحقق النتائج التي يتوخّونها، فيزيل بالتالي الخوف الطائفي ويقلّل حدّة الضغوط على السلطة المركزية ويتيح فرصة فعلية لبناء مجتمع مدني حقيقي على أساس هوية لبنانية موحدة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم