الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

بيروت

المصدر: "النهار"
سلمان زين الدين
بيروت
بيروت
A+ A-

(1)

اللَّيْلُ أطْوَلُ

منْ قَناديلِ الكَلامْ،

وَالرِّيحُ، يا بيروتُ، أعْتى

منْ أناشيدِ المَطَرْ.

منْ أيْنَ لي لُغَةٌ تُحَلّقُ عاليًا

تَرْقى إلى جَلَلِ المَقامْ؟

وَالصَّمْتُ باتَ جَريمَةً لا تُغْتَفَرْ.

وَأنا أُحَدّقُ في الظَّلامِ

وَلا أرى،

وَالرّيحُ تَذْروني كَأوراقِ الشَّجَرْ.

لا الصَّمْتُ، يا بيروتُ، يَفْتَرِعُ الظَّلامَ،

وَلا الكَلامُ يُطارِحُ الرّيحَ الغَرامْ.

لكنَّ صَوْتَكِ ساطِعٌ،

وَدَوِيَّ صَمْتِكِ يُوْقِظُ الدُّنيا

على صَوْتِ الخَطَرْ.

(2)

البَحْرُ، يا بيروتُ، يَعْروهُ الظَّماءُ

إلى مَناراتِ المُدُنْ،

وَيَروحُ يُغْرِقُ مَدَّهُ وَالجَزْرَ

في أنْوارِها،

جَرْيـًا على نَهْجِ البُحورْ؛

فَيُراوِدُ المَدُّ الجَموحُ

صُخورَكِ الشَّمّاءَ

عنْ تاريخِكِ المَحْفورِ

في صُمِّ الصُّخورْ،

وَيُراوِدُ الجَزْرُ الخَجولُ

رِمالَكِ الشَّقراءَ عَمّا خَبَّأتْهُ

منْ حِكاياتِ العُصورْ،

وَيَعودُ كُلٌّ منْهُما بِقِلادةٍ

يَزْهو بِها جِيدُ الزَّمَنْ.

(3)

وَالبَرُّ، يا بيروتُ، يُوْجِعُهُ النَّخيلُ،

وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الحَنينُ

إلى مَقاماتِ الشَّجَرْ،

فَيَروحُ يَنْشُدُ واحَةً

يُلْقي عَصا التَّرْحالِ

تَحْتَ ظِلالِها

وَيَذوقُ شَهْدَ التَّمْرِ

في كَنَفِ النَّخيلْ،

وَيَروحُ يُسْرِجُ خَيْلَهُ

بَحْثًا عنِ الرُّطَبِ الجَنِيِّ

وَعنْ عَناقيدِ المَطَرْ.

وإذا الدُّروبُ إلَيْكِ،

يا بيروتُ، شَلاّلاتُ أحْصِنَةٍ

وَأَنْهارٌ لِأَعْراسِ الصَّهيلْ.


(4)

الخَطْبُ، يا بيروتُ، أكْبَرُ

منْ قَصائِدِنا الّتي تَجْتَرُّ أحْرُفَها،

وَتَشْهَرُ عَجْزَها الجِنْسِيَّ

في ساحِ الكَلامْ.

وَالجُرْحُ، يا بيروتُ، أعْمَقُ

منْ كَلامٍ عابِرٍ يَطْفو على

سَطْحِ النَّدامَةِ وَالتَّفاهَةِ وَالمَلامْ.


هلْ تَقْدِرُ الكَلِماتُ

أنْ تُحْيي مَلاكًا طاهِرًا

أوْدى بِهِ غَدْرُ اللِّئامْ؟

هلْ تُرْجِعُ الخُطَبُ البَليغَةُ

لِلْمَدينَةِ سَنْدَرا الأنْقى

منَ اللَّوْزِ الشَّفيفِ،

على ذُرى نَيْسانَ،

في عُرْسِ السَّلامْ؟ (1)

هل يُرْجِعُ الشِّعْرُ الجَميلُ أبًا

لِعَبّاسَ الّذي ما زالَ يَأْمُلُ

عَوْدَةَ الحَمّالِ منْ تَحْتِ الرُّكامْ؟ (2)

أنّى لِجِلْبيرَ المُعَنّى

أنْ يَزفَّ عَروسَهُ،

أوْ أنْ تُسامِرَهُ سَحَرْ؟

وَسَحَرْ عَروسٌ حُلْوَةٌ،

ما الشَّمْسُ في كَبِدِ السَّماءِ؟

وَما القَمَرْ؟

عاثَتْ بِها كَفُّ الظَّلامْ. (3)

بيروتُ، إنَّ كَلامَنا عُهْرٌ،

وَإنَّ خِطابَنا كُفْرٌ،

وَإنَّ قَصيدَنا نَثْرٌ،

فَما جَدْوى الكَلامْ؟

(5)

منْ ألف عامٍ،

يَرْبُضُ التِّنِّينُ داخِلَ كَهْفِهِ

مُتَرَبِّصًا بِكِ، يا أميرَتَنا، الدَّوائِرَ،

مُطْلِقًا لِخُيُولِ ظُلْمَتِهِ العِنانْ

يَتَقَمَّصُ الزِّلْزالَ وَالإعْصارَ

وَالتَّفْجيرَ وَالتَّدْميرَ وَالتَّهْجيرَ،

يَجْتاحُ المَكانْ.

(6)

منْ ألْفِ عامٍ،

يَنْبَري الخِضْرُ المُقَدَّسُ،

كُلَّما آنَ الأوانْ،

وَيُعاجِلُ التِّنِّينَ بِالرُّمْحِ الأصَمِّ،

بِطَعْنَةٍ نَجْلاءَ يَحْفَظُها الزَّمانْ.

فَلِكُلِّ تِنِّينٍ أصَمُّ يَشَكُّهُ،

وَلِكُلِّ خِضْرٍ رُمْحُهُ،

إنْ شَكَّهُ في ثَوْبِ تِنّينٍ لَعينٍ

مَزَّقَ الرُّمْحُ السَّدى.

(7)

فَلْتَنْفُضي، بيروتُ، عَنْكِ

غُبارَ إعْصارِ الرَّدى،

وَلْتَنْهَضي منْ صَلْبِكِ المَزْعومِ،

إنَّ الصَّلْبَ تُعْقِبُهُ القِيامَةُ وَالنَّدى.

سَنَكونُ خِضْرَكِ كُلَّما

التِّنِّينُ غادَرَ كَهْفَهُ.

سَنَكونُ، إنْ صَوْتٌ عَلا، رَجْعَ الصَّدى.

(8)

* شاعر وناقد لبناني

الحواشي:

1ـ ألكسندرا نجار ابنة الثلاث سنوات التي شوهدت مرارًا تشارك في الثورة محمولةً على كتف والدها، وترفع العلم اللبناني.

2ـ عبّاس مشيك ابن الحمّال علي مشيك الذي رحل ضحية اضطراره إلى العمل الإضافي مقابل خمسة آلاف لية لبنانية فقط للساعة الواحدة.

3ـ سحر فارس العروس التي رحلت قبل أن تُزفّ إلى خطيبها جلبير قرعان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم