الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"الغرفة 23 وقصائد أخرى" لليندا نصار: اللوعة الممزّقة بين السطور تطالب بجنازة لليأس

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
"الغرفة 23 وقصائد أخرى" لليندا نصار: اللوعة الممزّقة بين السطور تطالب بجنازة لليأس
"الغرفة 23 وقصائد أخرى" لليندا نصار: اللوعة الممزّقة بين السطور تطالب بجنازة لليأس
A+ A-

سكبت #ليندا_نصار حبرها بشغف بين خطوطٍ وظلال، فتحوّل مطرًا حائرًا، يرمم تاريخًا غارقًا في دخان، مع انعتاق مؤقّت لحلم الشمس على ضفاف ملتهبة. وارتحلنا مع ديوانها "الغرفة 23 وقصائد أخرى" إلى الخشوع، عندما ادهشتنا لمسات يراعها الناعمة بوحًا عذبًا فوق الورق.

لوعة ممزقة بين الأحرف، تطالب بجنازة وداعٍ لليأس: "تصلي القصيدة تحت وابل من الصور/ المجنونة في الضاحية/ نكاية في من يمجد الحرب". خلف زجاج النافذة تتراقص صور ودروب وغيوم، وعناكب يسكنها الشوق إلى الهواء خارج نبض الطبيعة: "تتحسّسني بغيومها/ من وراء زجاج نافذة/ يصرخ من جرحها/ عنكبوت صغير".

نتوق للرحيل، متأبطين حقيبة حوت ذكريات الأمكنة على باب حانة: "هنا عرّافة تعلن: السحر يبدأ بعد الحلم". بين رقمين، ننتظر امرأة تعزف على أوتار الجنون، لاهية بشهب طائشة، مخترقًا عهر الغرفة، إلى متاهة شَعرها: "الغرفة 23 عاهرة تتقن الوفاء/ تتساقط من ظلامها أوراق خضراء تلمع/ رغبات مستعارة من شَعري".

مهزومة أمام الأمكنة، لاحت ببريق حبرها الفتّان في حلكة ظلام العزلة، الذي أرخى حضوره المريب للقادم: "ما همّي من سيمّر بعدي؟/ ينام الظلام قربي/... يحرس لحظات غيري مع الرحيل".

الأرقام تستنجد بابتسامات ملائكة الإهداء، فالتجاعيد تحوّلت أرقامًا مضافة إلى رقم الغرفة والنوتة، ورحلت مع العزف و"حبّات الكحل الذائبة" إلى اصفرار العبث في الحدائق السرّية.

ماذا تنبِت جذور الكلمات؟ هل تُفرخ أرقامًا صغيرة تنمو في الحلم وتتناسل؟ أو تتشظى مع كيان الشاعرة، وتتحول إلى مضاد للاكتئاب: "أحوّل الكلام في حلقها إلى مضاد للاكتئاب". وتختلط الصورة في سبورة لتتّحد خصوصية التجربة بعمومية المعاناة وحلم التقاعد.

هل الضوء ملاكٌ حارس يحرس خطانا: "ثمّة ضوء يشّع بيننا/ يعلّمنا كيف نسير ونخطو". فاتحاد الروح بالروح يلزمه ضوء لا يتجزأ تحتكره شاعرية متفتّحة بانتظار الكون.

طرق خفيف على باب الذاكرة، وأحشاء في كرة، أحلام أطفال بالطيران بعد عناق الروح والجسد: "أعانق روحي بفكيّ/مسرعة نحوي بعجلات عربة طفل/ تفكّر في أن تطير مع الريح".

كل الأبواب، تغفو من تعب الانتظار الطويل لعناق مع الأحبّة، لكنها تحتار، هل تصفّق للريح أو ترقب مواكب الحكّام أو تجزع في تحدي تسلل الموت إلى عالم الشاعرة، ليغتال الطفولة ويلاشي الأحلام الجائعة، ويصبح البياض والسواد والشتاء والصيف تحت سقف واحد هو سقف بيروت؟: "يحاصرني سرير العناية/ تحت سقف بيروت/ أغفو بين البياض والسواد...".

الألحان تتمايل نغمًا مع أنامل القلب أمام الزنابق وأشواك الورود ودورة الحياة في الدّم: "قال: نوتاتي خرساء أمام عينيك". لا عناق في العيد، فالجسد يخاف الوباء. كلٌّ رسم حدودًا لنفسه، لكن الحزن اخترق كل جدار، حاملًا معه أدوات العطف والحنان، تاركًا حروف العطف كي لا تُعطف الأفراح على الأتراح: "أين أدوات العطف التي حاصرت قدري؟".

أزلية صراع بين الأبيض الأقحواني والأسود الشفّاف، الذي يُظهر الأناقة على كراسٍ فارغة، لكنها محجوزة لأشكال غريبة، هاربة من صقيع غرفة: "كان يريد فقط/ أن يظهر/ تحت عدسة الضوء/ جديدًا/... على كراسي فارغة/ محجوزة".

أبطال الأساطير تحرس الأجساد، غير آبهة بمحارة مملوءة بالفراغ والحزن الذي استبق أحداث الحكايات في "خزانة شهرزاد": "نقرات تفاجئني من حيث لا أدري/ طائر الرخّ/ يحرس جسدي...".

أصوات من الماضي البعيد، صادرة من فراديس ومدن مجنونة بالنار، تُرسل الإيقاع نسغًا في زوارق الصيادين وأشباحًا في الأضلاع وصورًا فارغة بعزلة كثيفة. خارج الغرفة 23 "لا وقت للحب/ كواكب السماء/ أغلقت مجرّات أحلامها/ حتى مساءات الشتاء...".

عاشقة الأرقام، بوهلتها العبقرية، انعتقت من القسوة مع حرفها الدافق، لتبشّر بديمومة المدن، مترجمة حنانها في فردوس الفرح والحبّ والحرية، عبر شوارع (مارتيل)، فتتراقص أحلامها بنهم وبطولة مع أمواج المتوسط.

كآبتها الرومنسية وإحساسها الناجع بالمأساة، جعلاها تطارد الوهم الكبير، الذي عاش في مخيلة كبار الشعراء، فقد عانت الانسحاق المريع، خارجة من غيبوبة الحضارة، حاملة التاريخ في وجدانها عاريًا بين الخرافات المقدّسة ودخان الحقد المتصاعد من (نوتردام).

ارتضت البحث عن القلوب البيضاء في مسقط، عاصمة الجمال والحكم والمال والأعمال، فوجدتها فسحة فرح في شوارع تربط الخليج الجميل بجبال الحجر الشرقي. يسرح فيها الأمان، مناديًا الشِعر، ليجلسا تحت أشجار النخيل ينبشان أوراقًا تبكي خريف بيروت.

شاعرة أسمعتنا كلماتها السابحة في دروب أحلام العزلة "صوت خفي" حين غاب الصمت خلف الاحتراق اللّاهب العنيف لأن "كل شيء سينتهي قريبًا" في فضاء الحرية.

وتبقى غرفتها حديقة أشواقها وصحراء هواجسها، حاجتها الواقع وأحلام الوجود.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم