الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الشقعة... مسطّح جبليّ ممتدّ في البحر وموقع للسياحة البيئيّة والدينيّة

المصدر: النهار
رولا حميد
الشقعة... مسطّح جبليّ ممتدّ في البحر وموقع للسياحة البيئيّة والدينيّة
الشقعة... مسطّح جبليّ ممتدّ في البحر وموقع للسياحة البيئيّة والدينيّة
A+ A-

لرأس الشقعة مكانة قلما احتلها موقع آخر. فهو امتداد جبلي في البحر، على ارتفاع ثلاثماية متر، ينتهي من جهتيه الشمالية والغربية بانحدار قاطع يقارب التسعين درجة في بعض نقاطه، وبذلك، يشكل عائق عبور بين طرفيه الجنوبي والشمالي.

هذا الموقع، مع التشكل الجيولوجي للرأس، أعطاه ميزات لم تتوافر في مكان آخر. أولى الميزات أن البحر ينكشف أمامه على مسافات بعيدة بالعين المجردة، ويشكل بذلك موقعاً سياحياً قلّ نظيره، ولذلك أنشئت في بعض نواحيه مشاريع للسياحة الطبيعية والبيئية مثل التخييم، والإقامة الموقّتة.

تكوّن التل، بحسب الأبحاث الجيولوجية والتاريخية، في القرن السادس ميلادي عندما ضرب زلزال قوي المنطقة، وهزّ حوض المتوسط، وشق الرأس الصخري، فهوى جزء منه في الماء، وارتفعت الجبال على المياه، فتشكل الرأس.

وفي مقارنة لخريطته، يبدو متوسطاً للساحل الشرقي لحوض المتوسط؛ ويذكر عسكريون أنه يشكل خطاً مستقيماً مع مضيق جبل طارق، المنفذ الغربي للبحر الأبيض المتوسط لجهة المحيط الأطلسي، ولذلك اعتمدته بعض الدول والجيوش نقطة تمركز تسيطر منها على المتوسط، فبُنيت عليه مواقع عسكرية، وأقيم رادار ظاهر للعيان حالياً.


ويمتد رأس الشقعة في البحر مسافة بعيدة تناهز الكيلومترين، فيشكل بذلك حاجزاً قاطعاً بين شماله وجنوبه، ولذلك، أُنشئت فيه عدة أنفاق متعاقبة لتسهيل العبور، أول نفقين منهما شقّهما الفرنسيون مطلع القرن الماضي عند وفودهم إلى المنطقة: نفق قطار سكة الحديد مطلع القرن الماضي ذو الاتجاه الواحد، وهو يرتفع عن سطح البحر أمتاراً قليلة، ولذلك فهو الأكثر طولاً بين الأنفاق. تبعه نفق المعبر البرّي بطول يزيد على الخمسماية متر.

النفق الثالث أقامته الحكومة اللبنانية في الستينيات من القرن الماضي، شرق الرأس على علو أقل، واختير أكثر انخفاضاً ليكون أقصر مسافة. وهو الأكثر استخداماً حالياً منذ أن تأسس، وقد سهَّلت إقامته حركة النقل بين العاصمة والشمال اللبناني.

يتطاول رأس الشقعة غرباً في البحر، ويمتد عرضاً مسافات كبيرة، فيشكّل سطحه منبطحاً واسعاً، عديم الانحدار، ما سهّل إنشاء مطار عليه يعرف باسم البلدة التي أقيم فيها وهي حامات، ويمكن وصف طبيعته الجيولوجية بالهضبة.

والبارز في الرأس أن هناك العديد من المغاور الطبيعية تحيط بمنحدراته من الاتجاهات الثلاثة، وبينما ظلت بعض هذه المغاور على تشكلها الطبيعي، تحول بعضها الآخر لمواقع دينية، تنسّك فيها رهبان، وطوروها بالتدريج ليصبح بعضها أديرة.

يكتسي الرأس من جنباته ومنحدراته المختلفة بغابات السنديان المترامية بين سطحه ومنحدراته، وربما شكّلت أكبر مساحات للسنديان في لبنان.

أبرز الأديرة القائمة عليه وفي منحدراته دير سيدة النورية، وملحق له يرجح أنه كان "الدير الأمّ"، ويقع منتصف المنحدر الشمالي، ويكشف استدارة نصفية للبحر، ويطل على الطريق العام، وتسهل ملاحظته، ويمكن الوصول إليه سيراً على الأقدام عبر سلم باطوني.

في الدير-الملحق، منشأتان، واحدة متكاملة تقام فيها الصلوات، وفيها بعض أيقونات قيمة، والثانية خرائب غرف فردية متلاحقة غير قابلة للاستخدام، تنخفض أرضيتها عن الممر العام أكثر من متر، لكنها تحافظ على شكلها، وعلى التكاوين التي أنشئت من أجلها، مع إطلالة على البحر عبر نوافذ مشرفة على البحر.

أما دير سيدة النورية الواقع بفخامة على سطح الرأس للجهة الشمالية، فيُعتبر سيداً بين المواقع الأثرية والتراثية في لبنان، في موقع منكشف باستدارة، بكافة الاتجاهات، وهو عرضة للنسائم اللطيفة صيفاً، وللرياح العاتية دون توقف، شتاءً، ما جعل الأشجار منحنية باتجاه معاكس لاتجاه الرياح حتى تلامس أطراف أغصانها الأرض أمام عصف الرياح، وتلتوي جذوعها، فتشكل ما يشبه القنطرة، وتبدو كأنها شجرة ساجدة.

وتفيد أدبيات الدير أنه "جديد، وبني زهاء ١٨٨٠ ميلادية، وهذا المبنى هو الدير المركزي الحالي، تختلف الآراء حول تسميته، لكن أقربها للمنطق هي إشارة الكلمة إلى "النور"، نقلاً عن الأب اليسوعي جوزيف غودارد في رحلته إلى الشمال، وزيارة دير سيدة النورية مطلع القرن العشرين، حيث استقبله كاهن الدير، وشرح له رسم أيقونة والدة الإله أم النور" (أي السيدة العذراء)". ويزيد احتمال هذا التفسير أن الحجاج يؤمّون الدير خاصة في شهر آب في مناسبة العيد المعروف شعبياً بعيد السيدة، وهو يعني عيد دخول السيدة العذراء إلى الهيكل في العرف الإنجيلي.

الدخول إلى الدير يبدأ من الجهة الجنوبية، عبر عدة درجات، ومنه إلى رواق صغير يقود إلى الفناء الداخلي المرصوف ببلاط الرخام الأبيض، تتوسطه بركة ماء، ويحوط الفناء صفوف من القناطر محددة الرأس على الطريقة البيزنطية، وخلفها أبواب يفضي كل منها إلى غرف الدير وصومعاته. وفي وسط الجهة الشرقية، تقوم كنيسة "البشارة" وفيها صحن واحد، وتحتوي العديد من الأيقونات تتراوح بين النمطين البيزنطي والروسي، وكلها تعود إلى القرن العشرين.

على يمين مدخل الكنيسة، فسحة من عقود جرى عليها رسم "فريسكات" جديدة العهد، قام بها رسامون رومانيون، بحسب كهنة الدير.

وللدير مدخل ثانٍ من الجهة الشمالية، تطل على البحر المتمدد إلى آفاق غير محدودة، وتظهر منه منتجعات الهري السياحية، وشركات الترابة، وسواها.

يتبع للدير كنيسة مكرسة على اسم قديس مسيحي يعرف بـ"سمعان العمودي"، جرى ترميمه سنة ٢٠٠٥، ويقع على الطرف الجنوبي لتل الشقعة، ويطل على البحر مباشرة، من جهاته الشمالية والغربية والجنوبية، ويعود إلى القرون الوسطى.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم