الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

حكومتكَ يا دكتور لا تؤمّن لي العيش بكرامة!

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
حكومتكَ يا دكتور لا تؤمّن لي العيش بكرامة!
حكومتكَ يا دكتور لا تؤمّن لي العيش بكرامة!
A+ A-

قرأتُ ملخّصًا حرفيًّا موثّقًا لموقف رئيس الحكومة في شأن المسألة الماليّة – الاقتصاديّة – الاجتماعيّة، وفي شأن "الحاكم". أقول قرأتُ، لأنّي - وهذا اعترافٌ منّي بيّنٌ وصريح - لا أستطيع أنْ أتحمّل مشاهدة أيّ شخصيّةٍ سياسيّةٍ أو رسميّةٍ أو عامّة، في المجالات كافّةً، ولا الاستماع إليه، وهو يفنّد الوقائع من منظاره الفئويّ، ويحلّلها، ويطلق مواقف، ويلقي مواعظ وإرشاداتٍ وتوجيهاتٍ، لن يكون لها عندي، في النتيجة، أيّ حيّزٍ من الصدقيّة.

هذا ليس موقفًا اعتباطيًّا. كلّا.

فأنا لا أثق بأيٍّ من هؤلاء، ولا يحظى أحدٌ منهم باحترامي السياسيّ والوطنيّ. ليس لأنّي أعمى البصيرة، أو لأنّي متعنّتٌ، أو لأنّي منحازٌ إلى شخصٍ أو حزبٍ أو فريق (ترى، لمَن أنحاز، يا بَعدي، لمَن أنحاز؟! هل ثمّة مَن يطمح إلى أنْ يفوز في هذه الجمهوريّة بانحيازي إليه؟!)، بل لأنّ مَن يحظى بثقتي واحترامي، ينبغي له أنْ يكون نظيفًا، نزيهًا، حكيمًا، وراهبَ سياسة. وهذا بات من المستحيلات.

في العموم، مع حفظ هامشٍ ضئيلٍ جدًّا جدًّا من الغلط، يسقط من غربالي أيٌّ كان، لمجرّد أنّه وافق على المشاركة في السلطة، في ضوء المعادلات والمعايير القائمة، وهي معادلاتٌ ومعايير لا تتيح لأيّ شخصٍ مهما بلغت نظافته ونزاهته وحكمته – بل بطولته -، أنْ يظلّ قادرًا على الوقوف على رجليه، أمام هذا الكمّ اللاأخلاقيّ العارم في العمل الوطنيّ والسياسي.

هذا موقفٌ مبدئيّ أخلاقيٌّ لا حياد لي عنه، وقد أثبتت لي الخبرات والأيّام المرّة التي عاشها لبنان منذ الاستقلال إلى اليوم، صحّة هذا الموقف بنسبة 99 في المئة (هامش الخطأ كان واحدًا في المئة). لم تنجُ من هذا التصنيف الصارم إلّا قلّةٌ نادرةٌ استثنائيّةٌ تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة لا أكثر، وقد مضى زمانها منذ عهود وعهود، وبات الترحّم عليها نوعًا من العزاء، حيث لم يعد ثمّة عزاءٌ ولا مَن يعزّون.

واحدٌ في المئة، فقط لا غير، من سياسيّي لبنان والعاملين في شأنه الوطنيّ العامّ، يحظى بهذا الاستثناء. عدّوا معي 500 شخصيّة عامّة في تاريخ لبنان الحديث. يمكن استثناء خمسة أشخاص في أعلى تقدير. البطل فيكم يعثر على سادس. إنّي أتحدّى.

أعود إلى الموضوع.

لا يعنيني في شيء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مثلما لا يعنيني أيّ شخصٍ في المسؤوليّة العامّة. لا استثناء عندي، بسبب ما آلت إليه أحوال البلاد، هولًا تلو هول، رعبًا تلو رعب، تفكيكًا تلو تفكيك، تخريبًا تلو تخريب، إمعانًا تلو إمعان، إفسادًا تلو إفساد، نهبًا تلو نهب، انهيارًا تلو انهيار، وفقرًا، وجوعًا، وانعدام أخلاق.

كلّهم عندي سواء، ما داموا قد ارتضوا الاندراج في منظومة هذه السلطة الفاسدة، وفي هيكليّاتها، وكواليسها، وصفقاتها، وعمليّات النهب المنظّم والعشوائيّ فيها.

أينبغي لي أن أسأل، باسم الشعب الأبيّ الفقير الجائع، أنْ أسأل دولة رئيس مجلس الوزراء، والفريق الذي جاء به إلى السلطة، عن خطّته الإصلاحيّة العامّة والتفصيليّة التي تنقذ البلاد، بعد قراءة بيانه المفوّه أمس؟

أينبغي لي أنْ أسألكَ، يا دكتور، عن الكهرباء؟ عن القضاء المستقلّ؟ عن الودائع؟ عن المال المنهوب والمسروق والمهرَّب؟!

أكرّر على سبيل الصرامة: لا يعنيني في شيء حاكم مصرف لبنان. فلينل نصيبه. كما لا يعنيني في شيء كلّ هؤلاء وأولئك الذين تتركّب منهم منظومة السلطة في لبنان.

لكنّ هذا الكيد الثأريّ في ممارسة الحكم والسلطة "لن يمشي".

لا يمكن افتداء الوضع المأسويّ العموميّ بهذا "الهرب" التهويليّ التمويهيّ إلى الأمام (؟!).

لا أحد مارس هذا الكيد الثأريّ في تاريخ لبنان، وبقي واقفًا على رجليه، مهما بلغ من عتوّ.

إقرأ جيّدًا تاريخ لبنان، يا دولة الرئيس. إقرأه جيّدًا.

أمّا نحن، فنريد حلًّا وطنيًّا وسياسيًّا يليق بلبنان وبشعبه.

نريد ودائعنا ومال خزينتنا وقضاءنا المستقل، وكهرباءنا.

نريد فقط أن نعيش بكرامتنا، يا دكتورنا العزيز.

حكومتكَ، يا دكتور، والفريق الذي أتى بكَ وبها إلى السلطة، لا يؤمّنان، لا هذا العيش ولا هذه الكرامة!

ونحن لا نطالبكَ بالكثير. الكرامة فقط. العيش بكرامة!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم