الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

رسالة من ناجية من العنف الأسري إلى الرئيس نبيه برّي

رسالة من ناجية من العنف الأسري إلى الرئيس نبيه برّي
رسالة من ناجية من العنف الأسري إلى الرئيس نبيه برّي
A+ A-

حضرة الرئيس،


مرّ أسبوع على رسالة السيدة خ.س. ولم نسمع منك أي تعليق، وكأنّ قصتها لم تثر مشاعرك ولم تحوّل اهتمامك إلى قضيتنا الأساسية.
حضرة الرئيس هل اعتقدت أنّه ليس لتلك السيدة مثيلات كثيرات، أو أنّها وحيدة في معاناتها؟


قبل أن أروي لك قصتي، أريد أن أذكر لك بعض الأرقام التي ربّما لم تصلك بعد. فبحسب دراسة "شكاوى النساء أمام القضاء اللبناني"، تبيّن أنّ عدد شكاوى النساء في محافظة جبل لبنان عن سنة 2009 بلغ 473 شكوى، من بينها 353 شكوى ضرب وإيذاء، ومنها 188 شكوى حفظت بسبب عدم وجود آليات حماية للنساء اللواتي أقدمن على إسقاط حقوقهنّ.


حضرة الرئيس، أنا امرأة لبنانية من بعلبك، وإليك قصتي:


كانت كلمة الطلاق فكّاً لأسْري، مع الأسف، ولكن هذه هي الحقيقة. حين لفَظَها، أردت أن أصرخ بأعلى صوتي: "ها أنا تحرّرت، تحرّرت من كلّ شيء، من ذلك العنيف المتوحّش، من صوت يُرعب، من صراخ يشقّ جدران بيتي... إلى هدوء يسيطر!
كنت أحمل حقيبتي وأركض على الدرج تاركةً حزني في ذلك المنزل الكئيب، لا أشعر بداخله سوى بالألم والدموع واليأس... أركض من دون أن ألتفت إلى الوراء. لا أريد النظر إليه. أخاف من ذلك الباب، من تلك الغرفة المغلقة، وأنا أعاني الألم والوجع. كنت أهرب إلى "كفى" لأنني بحاجة أن أشكي وأبكي، بحاجة للنهوض لكي أتمكّن من حماية أولادي وحماية نفسي من الضياع.
لم أكن أستوعب الفكرة في البداية، ولكنّني أدركت لاحقاً أنني وحيدة، خاصة وأنّ أهلي لم يتقبّلوا طلاقي وأعادوني إلى منزلي، أي قبري، وتخلّوا عني. أدركت أيضاً أنّ ابنتي التي عمرها ثماني سنوات بحاجة لحمايتي. لا أريد أن أكون مثل أمي، أريد أن أكون سنداً لابنتي لتواجه الحياة بإدراك وعقلانية. لذا قرّرت أن أكون صديقةً لجزّاري...
من ابتسامة محطّمة ومرعوبة إلى إنسانة تواجه نفسها ومن حولها بثورة داخلية دون توقّف.
حاولتُ أن أكون أماً لأولادي من جهة، وصديقة للإنسان الذي دمّر حياتي من جهة أخرى! وكم هو صعب هذا الشعور. لكن كان عليّ أن أضحّي من أجل أولادي، وبالأخص ابنتي.
فإبنتي قبل كل شيء. إبنتي كانت سبب بقائي في المنزل. كنت دائماً أقول إنّني لا أريد أن تتعذّب طفلتي كما تعذّبت أنا. أريدها قوية وصاحبة قرار، لا مثلي. كنت مسلوبة القرار، دائماً مهزومة وخجولة. لذا، قرّرت البقاء في البيت شرط أن أكون صديقة، وهنا بدأت المشاكل.
كيف سيتحوّل من جبّار عنيف إلى صديق ينظر إليّ بعينيه من دون أن يستطيع فرض رأيه عليّ، ويتمكّن من السيطرة على أعصابه؟ مشكلة كبيرة، نعم، لكنّني استطعت أن أخطو الخطوة الأولى.
صحيح أنّني حرّة وأضحّي لأجل أولادي، لكن من المؤلم أن أساكن الرجل الذي عانيت منه الكثير. أقدّم تنازلات، لأنه ليس هناك من قانون يحميني ويحمي ابنتي. فأين العدل في هذا؟
والمضحك هو أنّ أهلي ينظرون إليّ من بعيد، ولا يهمّهم شيء سوى أن أبقى في البيت دائماً: كانوا هكذا، حين كنت أُضرَب وأُذَّل ويُرمى بي خارج البيت، كانوا يرجعوني كعصفور جريح إلى قفصه يتألم. رغم معاناتي لم يسألوا... هذا هو الدين وهذا هو الشرع، فماذا سأقول؟
ذاكرتي ممتلئة بالآلام. لا أنسى حين ركعت أقبّل قدميّ أبي راجيةً إيّاه بألّا يُزوّجني. فكنت لا أزال أدرس وأحلم، إنما لم يقتنع. زوجّوني ورموا بي في الهاوية... لا أعرف شيئاً.
كان يوم زفافي يوم دفني. هكذا كنت إنسانةً مكفوفةً ومسلوبةَ الإرادة. أُجبرتُ على الزواج حين كنت أسعى لمستقبل حالم، فضاع حلمي على سرير! احتكرَ براءتي وطموحي، وتحوّلتْ عذريّتي إلى نزيف صامت، يكبت أنيناً في نفسي يوماً بعد يوم، وتساقطت أيامي ورقة تلو الأخرى، وأنين في داخلي يثور... إلى أن نطق جسدي ولساني وثارت عليّ نفسي. هذه أنا... إنسانةٌ يائسة، مقموعة، أحتقر ذاتي. كانت ليلتي الأولى اغتصاباً لروحي وجسدي... وذلك الفستان الأبيض الذي تحلم به كلّ فتاة، ما كان إلاّ كفناً لي حين ارتديته.
لا أدري لماذا كنت أخاف هكذا ولماذا لم أكن قوية؟
أكتب الآن وأنا مشمئزّة من ذاك الماضي، أسأل نفسي لماذا كنت هكذا؟ لماذ غفوت طيلة هذه السنين لأصحوَ متأخّرة هكذا؟ هذا مجتمعنا للأسف. لم أعد أهتم بماضيّ، فلقد كان درساً لي علّمني كيف أنضج وأحمي نفسي وأثور على كلّ شيء وأعلّم ابنتي وأولادي الدفاع عن حقهم...


أوجّه من خلال قصتي الملخصّة رسالةً إلى كلّ امرأة وكلّ فتاة لأطلب منها ألّا تدع الزمن يغلبها، بل أن تستغلّ كلّ لحظة للمضي قدماً إلى الأمام من دون أن تتخلّى عن حقّها. في الحياة هناك دائماً خطوة أولى!


هيدي حكايتي حكيتها يا دولة الرئيس. وها إنّي أطالبكم بتحمّل مسؤوليّتكم التشريعيّة وإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري، لأنّ حياة النساء أهم من كراسيكم .
وأختم بالقول "وإن نسيتم فالنساء لن تنساكم"

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم