الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

خواطر فوزي يمّين في زمن كورونا: هل هناك ديكور للعذاب الذي أراه من حولي؟

فوزي يمّين
خواطر فوزي يمّين في زمن كورونا: هل هناك ديكور للعذاب الذي أراه من حولي؟
خواطر فوزي يمّين في زمن كورونا: هل هناك ديكور للعذاب الذي أراه من حولي؟
A+ A-

نصوص كتبها الشاعر فوزي يمّين، في حسابه الفايسبوكيّ، تحاكي العزلة الكونية والوجع الإنسانيّ بالسؤال والقلق، جمعُها هنا فيه الفائدة.

خواطر في زمن كورونا (1)

هناك ما يتربّص بنا في الخارج، في لا أحد يعرف أين، في كلّ مكان، في لا مكان، وهو صغير صغير بل غير مرئيّ، وينتقل بسرعة انتقل، ولا أحد يراه، ولا أحد يعرف أين كان وأين صار وكيف، ولا هو، كالخطر المعتاد، نيزك يضرب الأرض ولا تنّين ينفث النيران، أكثر من خوف، أقوى من هلع، بدائيّ، فيه رائحة الغابات الأولى، يفترس بلا فلسفة، يتصرّف على أساس طبيعته، متصالح مع نفسه، لا يشبهنا نحن بني البشر الذين نفكّر كثيراً ونعمل ألف حساب في كلّ مرّة نريد القيام بشيء.

*****

نحن البشر، هل كنّا عبر تاريخنا المجيد، أقلّ إيذاءً من الفيروسات؟

*****

هل من أحد يستطيع، لا أعرف كيف، تعقيم الأرض دفعة واحدة، وتعقيماً مستديراً؟

*****

تفتح النافذة أو تخرج إلى البلكون لترى ما الذي يهدّد، فلا تجد. كلّ الأشياء في أماكنها المعتادة. البيوت. الأشجار. السماء. لا شيء تغيّر. لكن الصمت. هذا هو، الصمت.

*****

الصمت يكبر ويمتدّ ويصير له جسم نتلمّسه عبر الأبواب والأروقة والغرف والنوافذ والطرقات والساحات. نشعر به ينبض ويتنفّس. يجلس ويقوم. يقول.

*****

على التلفزيون مشهد امرأة ميّتة مسجّاة في تابوت عند مدخل كنيسة وحولها اثنان فقط وعن بُعد: الكاهن وابنها. كان من الممكن أن يكون المشهد أجمل لو أنّها لوحدها. غريبة، تودّع الحياة كما أتت إليها. ثمّ، ألا يحقّ للانسان أن يموت لوحده بسلام طالما أنّه لم يستطع أن يعيش كذلك؟

*****

من وقت لآخر تخرج. لا تبتعد. تشمّ نسمة هواء. تنظر في عنق زهرة. في حبّة تراب. تجلس على حجرة. شبه حجرة. تحت الشمس. تجفّف "الداخل". الحياة باقية، تجدّد نفسها بنفسها. معطاة بمجّانية وليس عليك أن تقوم بأيّ جهد لتكسبها. من هنا قوّتها.

خواطر في زمن الكورونا (2)

يغلبني النوم طوال النهار ولا أنام. طير قلق يحوم. أحياناً أخاف: فجأة أتوقّف في البيت بلا سبب وأنظر في لا شيء.

*****

باكراً أقوم. أنثر بتلات من ورد السكوت على نهار جديد آخر. الليل شوكة عمياء.

*****

أحاول أن أقول شيئاً. لا تتراصف الكلمات على لساني.

واحدة تفتح الباب وتخرج فتدهسها سيّارة، وأخرى تصعد إلى السطح وتقفز.

*****

نتفرّج على التلفزيون. نسمع أخباراً. مرضى. موتى. العدد يطلع. العدد ينزل. لكن هناك ترسيمة مدروسة يعمل عليها بدقّة أحد المذيعين ويشرحها برصانة.

الذين يتعذّبون الآن، مَن يشعر حقّاً بهم؟

*****

ما من كائنات سوانا على هذا الكوكب يصيبها هذا الوباء، لماذا؟

*****

هل تنتقم الطبيعة لنفسها؟ هل تأخذ ثأرها بيدها؟

*****

هل هذه المرّة ينتقم الحيوان من الإنسان؟

*****

ثمّ، هذه الدعوات من أجل التعاطف الإنسانيّ والتبرّعات الأشبه بالمزاد العلنيّ، لماذا لا تكون في الأيّام العاديّة؟ لماذا لا تتمّ مساعدة المرضى والفقراء والمحتاجين بهذه الطريقة كلّ يوم إذا كانت هذه فعلاً القيم التي يؤمن بها البشر؟

*****

الأرض، هذا البيت الصامت. عيون أبوابه فارغة، عيون غرفه فارغة، حتى عيون الواقفين خلف شبابيكه فارغة.

*****

بعد هذا الذي يحدث، ستتغيّر مسائل سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة كثيرة، صحيح، لكن سيتعلّم الناس طرقاً جديدة في الأنانيّة والطمع والجشع ولن يثنيهم شيء عن أن يعيثوا فساداً في الأرض، وسيسنّون قوانين أخرى مختلفة ليقولوا "انظروا، إنّنا نحكم بعضنا بالعدل"!

*****

وبالرغم من كلّ ما يجري، لا أزال أسمع الحياة تقول:

البنفسجة المرميّة تحت الحرف ستعيد بهاء الحقل،

عصفور واحد كفيل باسترجاع السماء،

ما تبقّى من هواء في رئة طفل بائس سيردّ الروح إلى جسد العالم.

في زمن الكورونا (3)

لشدّة الهدوء خلتُ ذات مرّة أنّي سمعتُ صوت الوقت، لكن سرعان ما خفتُ أن لا يصدّقني أحد فغيّرتُ الحديث.

*****

لا أحلم. لا أعرف لماذا، لكن لا أحلم. ولا حتّى بشيء. تُمسك بي يقظة سميكة غليظة لا فكاك منها. كلّ ما أريده الآن أن أحلم بأن يأتي أحد ويقول لي: "انتهى الأمر. بإمكانك العودة".

*****

مطرب مشهور على التلفزيون ألغى كلّ رحلاته والتزم البيت، وهو مسرور لأنّه يقضي الوقت مع عائلته أكثر من ذي قبل. أسمعه يتحدّث عن أهمّية العائلة فيقف شَعر بدني. من أين جاء فجأة بهذه القماشة الدافئة لصوته وتلك النبرة الهادئة المتبصّرة؟

*****

التحليلات التي يسرع محور المعارضة في تقديمها، جرّاء ما يجري اليوم، بل ما تبقّى من معسكر الاتحاد السوفياتي البائد المنقرض، حول أنّ الصين هي القطب الأقوى في المعادلة، والعالم الجديد الذي تقوده أميركا سينهار، وهذا الفيروس هو أشبه بالضربة القاضية للشكل الحالي للنظام العالمي، وبأنّ الاتحاد الأوروبي سيتفكّك لا محال... هذه التحليلات أقرب ما تكون إلى الترّهات، ولكن ربّما تعوّض على مُطلقيها نفسيّاً، وتمنحهم، في هذا الوقت المفعم بالخسارة، شعوراً بالربح. ربح وهميّ؟ ليكن.

*****

"درهم وقاية خير من قنطار علاج"، سمعتُها من وزير الصحّة سخصيّاً، ولم يبقَ أحد من الطقم السياسي الذي يتقاتل في هذه اللحظة على المحاصصة في التعيينات إلّا وقالها. من هذا المنطلق نشهد تأهّباً في شوارع بعض المناطق، بل هياجاً لمواجهة الكورونا كمواجهة العدوّ الإسرائيليّ من دون أيّ نوع من الوقاية، ينقص فقط حرق العلم الأميركي. إضافة إلى أنّه، يوماً بعد يوم، ترتفع أسعار أكسسوارات الوقاية، ما معناه أنّ الناس جاهزون لاستغلال بعضهم حتى في الشدائد. هكذا في ظلّ هذه الجائحة التي تجتاح العالم، تتحقّق المطالب الخمسة التي يتمّ المناداة بها باستمرار للخلاص: الوقاية، التأهّب، الصحّة العامّة، القيادة السياسيّة والناس.

*****

ينتقل الوباء إلى العديد من الناس والعديد من المجتمعات في نفس الوقت. أمّا الجائحة فتنتشر رسميّاً عبر مناطق جغرافيّة كبيرة تغطّي قارّات متعدّدة والعالم بأسره. لذلك وصفت منظّمة الصحّة العالميّة تفشّي هذا المرض بأنّه جائحة. وأنت، ما أدراك ما الجائحة؟ بَليّة، تَهلِكة، داهية، و"ما أذهبَ الثمر أو بعضه من آفة سماويّة"، وقد "نهى عن أخذ صَدَقة ممّا تبقّى من المحصول بآفة سماويّة"... وهكذا يصحّ القول: "رفعُ الحوائج أشدّ من نزول الجوائح". ماذا فهمت؟

*****

الضوء ينعكس على النافذة لكن ليس على قلبي.

الرمل في عدم اهتمامي، كان هناك من البداية.

العتمة لها عملٌ جاءت لتقوم به.

أعتقد أنّي فقدتُ الأمل.

لم أعد أشعر بالأمان بعد الآن.

الأمل، من أين يشترونه؟

أو على الأقلّ هل يؤجّرونه؟

هل هناك ديكور للعذاب الذي أراه من حولي؟

شيء مربوط بشدّة، يضغط.

وكلّ تلك المسافة المتوحّشة بيننا، لم أفهمها يوماً.

*****

لكنّي أجلس على صخرة هدوئي. أنا صخرة. معنويّاتي عالية. ألتقط أنفاسي. ممنوع أن أفقد أعصابي، خصوصاً في هذه الظروف وفي هذا الوقت الذي يبدو بطيئاً وطويلاً.

أنزلق في الرقّة.

الرقّة تأخذني...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم