الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

صحة نفسية- الحداد النفسي خط أحمر... احترموا حزن نور

المصدر: "النهار"
كارين اليان
كارين اليان
صحة نفسية- الحداد النفسي خط أحمر... احترموا حزن نور
صحة نفسية- الحداد النفسي خط أحمر... احترموا حزن نور
A+ A-

الحقيقة التي لا يختلف حولها أحد أن مشهد ابنة الشهيد حسين شلهوب مزق قلوب كل من رآها، فيما عجز كثر عن مشاهدة الفيديو لما يحمله من ألم. يعيدنا ذلك بالذاكرة إلى المشاهد التي رأيناها للطفل عمر ابن الشهيد علاء أبو فخر وردود الفعل الكثيرة الرافضة لاستغلال الطفولة لأي هدف كان ولعدم احترام حداد هؤلاء الأشخاص الذين فقدوا أعز من لديهم في الحياة. تتحدث الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل عن نظرة علم النفس إلى هذا الواقع وإلى طريقة تعاطي وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي مع هذه الحالات دون مراعاة للحالة النفسية لهؤلاء الأشخاص ولفترة حدادهم.

لم تفقد نور والدها حسين شلهوب وخالتها بطريقة طبيعية، فيكفي أنها شاهدتهما يحترقان أمام عينيها كما شاهد عمر والده مضرجاً بالدماء يموت أمام عينيه. لذلك تزيد قسوة المشهد والموقف مما يؤكد على ضرورة التعاطي مع الحالة بمزيد من الحرص والتأني. فالإحاطة النفسية تبدو ضرورية في هذه الحالة، بحسب ما يؤكد الخبراء في علم النفس. في المقابل، لم نشهد إلا قسوة في التعاطي بطريقة تفتقد إلى الإنسانية من بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي.

أسئلة كثيرة تطرح اليوم: ألم يعد ثمة احترام لحرمة الموت؟ هل فقد التعاطي الإنساني؟ هل أصبحت زيادة أرقام المتتبعين والمشاهدين أكثر أهمية من الإنسان نفسه ومن الأخلاقيات ومن التعاطي الإنساني مع حداد شخص فقد أعز من لديه؟ في هذا الإطار، وبعد انتشار المقابلات والفيديوات لنور بعد الحادثة التي أودت بحياة والدها وخالتها، تؤكد خليل أنه يبدو واضحاً أن نور تحت وطأة الصدمة القاسية التي تعرضت لها. فانهيارها الكبير واضح وأكيد. "استطاعت وسائل الإعلام أن تنقل صوتها وألمها إلى العالم. إلا أن انهيارها بدا واضحاً وهي تحت صدمة قوية جداً وهي تطل عبر وسائل الإعلام. هنا يطرح السؤال حول ما ستكون عليه ردة فعلها لو عادت لتشاهد الفيديو بعد فترة وبعد مرور مرحلة الحداد النفسي وبعد أن تكون قد هدأت ما سيكون لذلك من تأثير عليها ومن إعادة إحياء لهذه الصدمة التي مرت بها. هنا يتم توثيق الحزن والصدمات بالصوت والصورة على نحو يعيد إحياءها".

في المقابل، تؤكد خليل على أهمية وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي كوسائل دعم في هذه المرحلة التي نمر بها. لكن في الوقت نفسه تؤكد أنها وسائل خطرة جداً ما لم تضبط وما لم تستخدم بالشكل الصحيح وما لم تنقل الاحداث بالطريقة الصحيحة. "نحن هنا نوثق الأحداث بقسوتها وجمالها والألم الذي تحمله والحزن وبكل ما تحمله من مشاعر سواء كانت سلبية أو إيجابية. فيما يتميز الإنسان بقدرته على التخطي والنسيان والتسلح بالصبر بمتابعة حياته. لكن عندما نوثق الصدمات ونحفظها ونشاركها وننشرها ونحييها نمنع بذلك إمكان الشخص تخطي هذه الصدمة بكل ما فيها من ضرر، بأسرع وقت ممكن".

كل شخص إعلامي

يبدو واضحاً اليوم أن الإعلام لم يعد ممسوكاً من الإعلاميين حصراً. وقد ترسخت هذه الصورة أكثر بعد في هذه المرحلة وتحوّل كل شخص على مواقع التواصل إلى "إعلامي" او على الأقل إلى شخص يتولى هذه المهمة. "في ظل الضغط الزائد في هذه الظروف التي نمر بها، تتنافس أيضاً وسائل الإعلام وتتسابق على نقل الأخبار والأحداث ما يؤدي إلى التسرّع أحياناً في العرض وفي نوعية الأسئلة. فعلى سبيل المثال، هل يمكن أن تسأل نور وهي تحت وقع الصدمة كما يبدو واضحاً، كيف وقع الحادث ومن كان سببه؟ من المؤكد أنه يصعب عليها أن تحكم بالشكل الصحيح في هذا الظرف وبالنسبة لها في هذه اللحظة العالم كلّه مسؤول عما حصل لذويها. من هنا أهمية الحرص على المزيد من الدقة والتأني في هذه الظروف مع ضرورة احترام الحداد النفسي للأشخاص وحالتهم النفسية التي قد لا يكونون فيها مسؤولون عن كلامهم بشكل تام. فنور تعيش في هذه اللحظات التي أجريت معها المقابلات حالة من الضغط العقلي الذي يؤثر على الإدراك والشعور والتفكير وردود الفعل. وبالتالي في هذه الحالة، لا تنقل صورة نور الحقيقية لأنه يتم تصويرها وهي في وضع حساس جداً تحتاج فيه إلى البقاء مع الذات ومع المقربين حتى تتخطى ما تعرضت له بكل ما فيه من قسوة. فمن يخسر شخصاً عزيزاً من الطبيعي أن يمر بمرحلة الحداد النفسي لما لديه من مشاعر يتخبط فيها وصولاً إلى المرحلة التي يتخطى فيها الصدمة ويتقبل الواقع. علماً أن وفاة شخص عزيز تعتبر قاسية في مطلق الحالات، وهي كذلك أكثر بعد في حال فقدانه بهذه الطريقة إذ تزيد تداعياته النفسية".

في مراحل الحداد النفسي

يمر من يخسر شخصاً عزيزاً في مرحلة الحداد النفسي بمراحل عدة وصولاً إلى مرحلة تخطي الصدمة:

-مرحلة الإنكار حيث يرفض الشخص تقبل الواقع كما يبدو واضحاً في الجنازات أحياناً حيث يتحدث الشخص الذي هو تحت وقع الصدمة مع الميت وكأنه لا يزال حياً.

-حالة الغضب والاحتجاج ولوم الحياة والناس وطرح التساؤلات نتيجة مشاعر الغضب

-مرحلة الغضب نحو الذات والشعور بالذنب والعجز لعدم القدرة على منع الوفاة أو الحادث وقد تزيد حدة أحياناً لدى البعض

-مرحلة الحزن الكبير الأشبه بالاكتئاب في تركيبته يترافق مع يأس زائد

-مرحلة التقبل والتخطي

هنا تؤكد خليل على أهمية السماح لكل شخص فقد أحد المقربين بأية طريقة كانت بالمرور بهذه المراحل وتركه يحزن. "يجب احترام حزنه مع المقربين ومع كل من يذكره بالشخص الذي فقده ولا يمكن لأي سبب من الأسباب تخطي هذه المراحل أو المس بهذه الخصوصية وبهذه المساحة الداخلية التي تشعر الشخص بالأمان والتي يحتاج فعلاً إلى المرور بها بمراحلها القاسية وتلك الأقل قسوة. هذا فيما يبدو واضحاً أنه اليوم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي فقدت مساحة الخصوصية والحزن هذه التي يحتاجها كل شخص بعيداً من الباقين، وإن كانت وسائل التواصل الاإجتماعي قد وفرت في حالات معينة فرص دعم للبعض. فيبقى ضرورياً احترام الخصوصية في حالات الوفاة لان التعرض لصدمة على إثر حادث يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة الذي يجعل الشخص في صراع داخلي قوي جداً وتزيد معاناته النفسية والداخلية إلى حد كبير ولا بد من احترام ذلك وعدم المس به. يضاف إلى ذلك ان ردود فعل قوية جداً وغير منطقية أو موضوعية ولا يمكن جعلها علنية بل يجب احترام هذه الخصوصية. فمع خروج الشخص من هذه المرحلة التي أظهر فيها ضعفه ويأسه قد يعي أنه لا يرغب بإظهار هذه اللحظات للعلن".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم