الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

ثورة الشباب من أجل لبنان يمكنهم البقاء فيه

غيا عسيران
ثورة الشباب من أجل لبنان يمكنهم البقاء فيه
ثورة الشباب من أجل لبنان يمكنهم البقاء فيه
A+ A-

قد تكون ثورة 17 تشرين الأول في لبنان حركة عفويّة جارية من دون الرغبة بقيادة محدّدة، لكنه من الواضح أن الشّباب هم على رأس هذه التعبئة الجماهيريّة، التي باتت تسمّى "ثورة الطلاب" مع الأسبوع الرابع للاحتجاجات. تجري جلسات النقاش المفتوحة يومياً في وسط بيروت لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في المداولات المتصاعدة التي يقودها المواطنون. وتتمّ المناقشات بشكل تشاركي وديمقراطي ومتساوٍ، أما الاحتجاجات فهي لامركزيّة وغير عنيفة. فيعقد كلّ حيّ أو مجموعة مناقشاتٍ داخليّة للتعبئة واتخاذ القرارات الخاصّة بهم.

ليس فقط حجم الثورة لم يسبق له مثيل، بل أيضاً التطلعات للتغيير. فثورة 17 تشرين ليست مجرّد انتفاضة سياسيّة، بل هي ثورة ثقافيّة نحو لبنان أكثر شموليّة، حيث لن يقبل الشباب، مكتوفي الأيدي، التمييز على أساس العمر أو الطائفة أو الجنس أو الخلفيّة الاجتماعيّة الاقتصاديّة أو أي أسباب أخرى. يُعتبر تكافؤ الفرص مبدأً أساسياً لاقتصادٍ ومجتمعٍ شاملَيْن، وبالتحديد انتهاك الفرص المتساوية هو السبب الذي دفع الشباب إلى ترك القاعات الدراسيّة للاحتجاج في الشوارع.

وصلت البلاد إلى طريق مسدود خلال الأسبوعين الأولين من الثورة المدعومة من المؤسسات التعليميّة الرائدة والمدرّسين والطّلاب. فقد شارك التّجمع الأكاديمي للأساتذة الجامعيّين، الذي يضمّ أساتذة من الجامعات الخاصّة والعامّة، بشكل ناشط في التعبئة الجماهيريّة، مؤكداً على ضرورة حماية استقلاليّة المؤسّسات التعليميّة العليا، وخاصة الجامعة اللبنانيّة، وهي الجامعة الرسميّة الوحيدة. وحثّ بيانٌ مشترك لرئيسيّ الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) وجامعة القدّيس يوسف (USJ) السلطات اللبنانيّة على "احتضان الروح الجديدة ... لبناء دولة مدنيّة، تتجاوز الطائفية وتقاسم المصالح". كما دعمت لجنة الأهالي في المدارس الخاصّة إغلاق المدارس بشكل كامل، فأصدرت اللجنة بياناً يفيد بأنه "لا فائدة من شهادة معلّقة على الحائط إذا كان صاحبها عاطلاً عن العمل".

عندما أعادت المدارس والجامعات فتح أبوابها خلال الأسبوعين الثالث والرابع من الاحتجاجات، رفض الطلاب من تلقاء أنفسهم العمل كالمعتاد. فغادر الآلاف من طلاب المدارس والجامعات من جميع أنحاء البلاد الصفوف وانضموا إلى الاحتجاجات على نطاق الوطن في 6 تشرين الثاني. وقام طلاب من الجامعات العامة والخاصة بتنظيم مجموعة "طلاب 17 أكتوبر" في اليوم التالي لتنسيق الاحتجاجات الجماعيّة وممارسة الضغط على الجامعات حتى لا تفتح أبوابها قبل تلبية مطالبهم. على لافتاتهم وفي المقابلات، كرّر العديد من الطلاب أنّهم "لن يذهبوا [إلى الصفوف] لتعلّم التاريخ"، لكنهم "موجودون هنا لكتابته". وكان موقفهم، كما لخّصته لافتة واحدة، ببساطة، "ما فائدة التعليم إذا لم يكن لدينا مستقبل؟"

كان العجز عن تحويل المؤهلات التعليميّة والموارد إلى تحسين فرص العمل سبب إحباط العديد من المتظاهرين الشباب. ووفقاً لتقرير حديثٍ لصندوق النقد الدولي (2019)، بلغت معدّلات بطالة الشباب 30% في لبنان. من ناحية أخرى، كانت معدّلات المشاركة في سوق العمل منخفضة بنسبة 41% للشباب اللبنانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، بمشاركة واحد فقط من بين كل ثلاثة شباب في العمل.

من الواضح أن التوقّعات فشلت عند المراهنة أنّ تحقيق المساواة في فرص التعليم من شأنه أن يساعد على تسوية الأمور وتعزيز الفرص في سوق العمل للجميع. بدلاً من ذلك، فإنّ عدد خريجي الجامعات في لبنان يتجاوز الطلب المحلّي على المهارات العالية. ويتّضح ذلك من خلال ارتفاع معدّلات البطالة بين خرّيجي الثانويات والجامعات، وانخفاض أجور الخرّيجين وزيادة هجرة الأدمغة، حيث يهاجر 44 في المائة من خرّيجي التعليم العالي في لبنان بحسب البنك الدولي.

غير أنّ الشباب الذين كانوا في الشوارع وتغيّبوا عن القاعات الدراسيّة اختاروا الشوارع على وجه التحديد، لأنهم رأوا أن هذه هي فرصتهم الوحيدة لبناء مستقبل مختلف في لبنان. فمنذ بداية الثورة، كان الطلاب وخريجو الجامعات يرفعون يوميّاً لافتات ليعبّروا عن قلقهم بشأن المستقبل. وقال أحد الطلاب: "إنّنا ندرس من أجل مستقبل لا نملكه". وقال آخر: "مصمّم داخلي، أبحث عن وظيفة". كانت الهجرة أيضاً موضوعاً متكرراً: "عندما أكبر، أريد أن أكون مهندساً مثل أبي، ولكن في لبنان". وحملت طفلة لافتة توضح كيف حُرمت من "حقّها" في العيش مع والدها الذي كان عليه أن يغادر لبنان بحثاً عن وظيفة أفضل وتوفّي في الخارج.

عرّفت عن نفسها يارا، الناشطة البالغة من العمر 22 عاماً والتي كانت تشارك في الثورة كلً يوم منذ بدايتها، أنّها "بلا جنسيّة". تخرّجت بدرجة البكالوريوس في الهندسة المعماريّة بامتياز من الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة (LAU) لكنّها حاليًا عاطلة عن العمل. بصفتها لاجئة فلسطينيّة من الجيل الثالث، قالت يارا إنّها تشعر أنّها لبنانيّة أكثر من فلسطينيّة. مع ذلك، يارا ليس لها الحق في العمل كمهندسة معماريّة في لبنان، لأنه لا يمكن للفلسطينيين العمل في المهن المنظّمة في نقابات. نظراً لانتهاك لبنان لحق اللاجئ في العمل وفقاً للاتفاقيات الدوليّة، بما في ذلك اللاجئين في حالات اللجوء المطوّل، والحلّ بالنسبة إلى يارا هو الهجرة أيضاً.

المحسوبيّة، بما في ذلك في سوق العمل، تحت الأضواء أيضاً. وردّد الشعار "لا نريد الواسطة بعد الآن، نريد الوصول إلى الوظائف بحسب الجدارة"، بقوة في لافتات الاحتجاج والمقابلات مع الشباب. ومع ذلك، لم يكن المطلب فقط التوظيف بحسب الجدارة بين المتظاهرين، ولكن أيضاً الوظيفة اللائقة والخروج من الفقر المدقع؛ "تعمل من الفجر حتى النجر مقابل 500.000 ليرة لبنانية (332 د.أ.)"، كما تشير إحدى اللافتات.

لناحية العرض، لم ينس المتظاهرون تسليع التعليم، حيث وصفت العديد من لافتات الاحتجاج المدارسَ والجامعات بأنّها "شركات تجاريّة". وفي الواقع، زاد عدد معاهد التعليم العالي الخاصّة في لبنان بأكثر من الضعف منذ نهاية الحرب الأهليّة، وقد وصلت إلى 49 من مؤسّسات التعليم العالي الخاصّة المرخّصة في عام 2019. حدثت هذه المضاعفة في الجامعات الخاصّة، في غياب تنفيذ آليات تنظيمية مناسبة تراقب توفير التعليم، كما يتّضح من فضيحة "الشهادات الجامعيّة المزيفة" التي كشفت في وقت سابق من هذا العام. "التعليم ليس تجارة"، بحسب احتجاج أحد الطلاب على ذلك.

ليست العدالة الاجتماعيّة، والحصول على التعليم الجيّد والوظيفة اللائقة المطالب الأساسيّة لهذه الثورة في الوقت الحالي. فمطالبها الأساسيّة سياسيّة. هذا لأنه من المفهوم جيداً أنّ أجندة العدالة الاجتماعيّة لا يمكن أن تتقدّم دون الانفصال أولاً عن الدولة الطائفيّة الحاليّة والانتقال إلى دولة مدنيّة. هذا المشروع الجديد حشد ملايين اللبنانيين في المدن في جميع أنحاء البلاد منذ 17 تشرين الأول بإيمان جديد بلبنان شامل. وكما قال أحد المتظاهرين، "قبل 17 تشرين الأول أغادر لبنان. بعد 17 تشرين الأول، أؤمن بلبنان ".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم