الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

جائحة كورونا تُحوِّل حزننا الجماعي إلى فردي.. هل أَلغت مواجهة الموت؟

المصدر: النهار
نور مخدر
نور مخدر
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-

أكثر من 4 آلاف وفاة في لبنان، سببها كورونا، وعداد الموت لم يتوقف. أكثر من 4 آلاف عائلة، فقدت أحد أفرادها، والوداع كان الصمت. مشاهدٌ رأيناها للمرة الأولى في فترة كورونا، يشيعُ الفقيد وحده، دون حضور جماعي، أو يقتصر على أفراد العائلة. وفي أحيان أخرى، شاهدنا جميعنا، الوداع من نافذة أو شرفة نتيجة إصابة العائلة بهذا الفيروس. اختزلت مراسم العزاء باتصال هاتفي أو مواساة "افتراضية" حفاظًا على سلامة الجميع.

كلُّ هذه العوامل، تؤكد تغير مفهوم الموت لدينا، من أحياء، تقع عليهم صدمة الرحيل كخبر قاسِ، يشاهدونه بأعينهم، ويشمون رائحته، ويلمسون وجهه، إلى "جماد"، نتوقع الموت كخبر عادي. فكيف تغيرت صورة الموت لدينا؟ وما أسباب هذا التبدل في التعبير عنه؟

برأي المعالجة النفسية كارولين سكر، أنّ أسبابًا متنوعة، تقف جراء تبدل تعاملنا مع الموت، بدءاً من سماع الخبر إلى ما بعد الدفن، ومن أهمّها:

أولاً- تآلف الإنسان مع الأشياء التي يختبرها، ومنها الموت. يعتبر الفرد أنّ الموت الخطر الأكبر الذي لا مفر منه، ورغم ذلك، يتنساه نتيجة انشغاله بأعمالة اليومية.

ثانياً- "الموت حديث الساعة"، بعدما سيطرت أعداد الوفيات على حياتنا اليومية، تعمل آلية الدفاع لدى الفرد على حمايته من حدّة هذا الخبر. إذ تأتي النتيجة بكيفية تلقي الموت، وعندها، يقرر إما التفاعل معه عبر إحساسه أو التعاطي معه بطريقة عقلانية.

 

ثالثاً- القدرة على التكيف: ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات هي قدرته على التأقلم مع الواقع، على سبيل المثال: عند بداية جائحة كورونا، سيطرت مشاعر الخوف والقلق من التقاط العدوى ونقلها إلى الآخرين، أما بعد عامٍ عليها، فتغيرت الصورة لديه لناحية التعود والتعامل معها.

رابعاً- التعامل عن بُعد: لا يمكن لأحد النكران بـ"رهبة الموت"، إلا أنّ الظروف الصحية، جعلت تلقيه بشكلٍ عقلاني أكثر من حسي، ما خفف من وطأة الصدمة، وهي واحدة من طرق آلية دفاع الجسم عن نفسه وتبريرها.

من حزن جماعي إلى مواساة فردية

لنعد قليلاً إلى ما قبل كورونا، آنذاك، كانت مراسم الموت تشمل الدفن والتعزية والرثاء والأفعال الدينية من قراءة القرآن أو التراتيل حتى البكاء على الميت، بمعنى أوضح، تشاركٌ جماعي بالحزن. ماذا أحدثت كورونا؟ حوّلت الحزن الجماعي إلى فردي، وألغت "مواجهة الموت"، التي تراها حواسنا خلال وداع الميت، وانتقلت إلى الوداع غير المباشر، غير المحسوس. وبالتالي، عدم استيعاب صدمة الموت وترسخ هذا الفقدان لدينا.

هذه المستجدات الصحية، ألغت دورة الحزن الطبيعية لدى الإنسان بدءاً من الإنكار، والغضب، ومن ثمّ المقايضة والاكتئاب وصولاً إلى تقبّل فكرة الرحيل. إنّ عملية "حرق" هذه المراحل وعدم المواجهة الصحية معها، قد تولد الشعور بالذنب، بحسب سكر.

 

إنّ الذنب وإلقاء اللوم على النفس، نتائجٌ قد يعاني منها كُثر، خاصةً إذا كان الفرد هو ناقل العدوى أو عدم تواجده في المشفى قرب المريض، كلّ هذه التخيلات لديه، تزيد الوضع التفسي سوءاً، وهي أصعب من مواجهة الموت بشكل مباشر.

بالإضافة إلى ذلك، انتقال الإنسان إلى مرحلة "قلق الانفصال" أو "قلق الموت"، وذلك من خلال العيش بدائرة محددة، منفصلة عن الآخرين، ما ولّد نمط حياة جديد، جعل الفرد يتوقع ويتقبل الموت بشكل أكبر كحالة عامة غير مفاجأة. كذلك، تعدّ "القوقعة"، وهي تظهر نتيجة عيش الحزن مع النفس والتركيز عليها، من أخطر الأمور التي قد تنعكس على الفرد نتيجة تغير مراسم الحزن.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم