السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"كل شيء تغيّر"... عيد الميلاد يمر كسائر أيّام السنة في بلدة القريتين السورية

المصدر: "أ ف ب"
من أجواء عيد الميلاد في سوريا.
من أجواء عيد الميلاد في سوريا.
A+ A-
يقف مطانيوس دلول وحيداً وسط جدران متفحمة في دير أثري اعتاد كان يعج عادة بالزوار في بلدة القريتين السورية قبل أن يفر منها غالبية سكانها المسيحيين ولا يبقى منهم سوى قلة بات عيد الميلاد بالنسبة لهم كغيره من أيام السنة.

ودلول (62 عاماً) واحد من عشرين مسيحياً على الأقل لا يزالون يقطنون في البلدة في ريف حمص الشرقي في وسط سوريا، والتي كان عدد المسيحيين فيها يتجاوز 900 شخص قبل اندلاع النزاع في 2011 ثم سيطرة الجهاديين عليها.

ويقول دلول "العيد يحتاج إلى ناس، إلى شبان وشابات وليس مجرد حجارة". ويضيف، الرجل الذي يهتم بالرعية ويعيش وحيداً بعدما هاجر أبناؤه الثلاثة، "الحجارة كثيرة، لكن الناس هي التي تخلق بهجة العيد، واذا لم يعد الناس فليس هناك عيد".

يسير دلول بصعوبة فوق ركام كنيسة اعتاد على زيارتها، ويمر إلى جانب أخرى لم يبق منها سوى جدران وباب حديدي ملأه الصدأ.

داخل الدير المهجور الذي لا تزال أثار الحرائق تغطي جدرانه وتغيب عنه الصلبان والأيقونات، يصلي دلول أن "يُطيل الله بأعمار آخر عشرين مسيحياً" في البلدة وغالبيتهم من كبار العمر.

قبل اندلاع النزاع في 2011، كان عدد سكان القريتين يقدر بنحو ثلاثين ألف شخص بينهم 900 مسيحي، إلى أن سيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" عليها في 2015 وعاث فيها خراباً. وفرّ منذ ذلك الحين غالبية سكانها المسيحيين دون عودة برغم استعادة القوات الحكومية السيطرة على البلدة نهائياً في العام 2017.

خرّب الجهاديون دير مار إليان للسريان الكاثوليك الذي يعود إلى القرن السادس ميلادي، وأحرقوا ودمروا عدداً من الكنائس. كما خطفوا إثر سيطرتهم على البلدة 270 من سكانها المسيحيين واحتجزوهم في قبو تحت الأرض لمدة 25 يوماً.

يتذكر دلّول أعياد الميلاد التي كان يقضيها مع أولاده وأبناء القرية في التزيين والإعداد للحفلات وموائد العشاء.

ويقول "احتفلت كنائس القريتين بعيد الميلاد المرة الأخيرة في 2015 قبل دخول تنظيم داعش، وبعد ذلك غابت الاحتفالات نهائياً".

ويضيف "لا يوجد كنيسة مفتوحة، ولا كاهن يُشرف على مراسم العيد، ولا شباب ولا شابات".

كسائر الأيام 
لا يُخطّط بسام دباس (61 عاماً) لأي شيء لسهرة عيد الميلاد لهذه السنة أيضاً، بل سيقضي يومه في ورشته الصغيرة لصناعة دبس الزبيب، والتي قسمها بين جزء مخصص لتخمير الزبيب، وآخر لنشره وتجفيفه قبل طهيه.

ويقول دباس أثناء تحريكه لعصارة الزبيب على نار ساخنة، "الأعياد اختلفت بشكل كامل منذ دخل داعش ودخل الحزن إلى قلوب الناس". ويضيف "ذهب (داعش) وبقي الحزن".

يعيش دباس هو الآخر وحيداً في البلدة، بعدما نزح وهاجر كافة أفراد عائلته. وبرغم ذلك، فضّل أن يعود ليستقر العام الحالي في القرية ليتابع العمل في مهنة ورثها عن أجداده.

ويحاولُ اليوم الحفاظ على حدّ أدنى من إنتاجه السنوي بعدما حوّل جزءاً من منزله إلى ورشة مستغلاً ساعات قليلة يتوفر خلالها التيار الكهربائي للعمل.

ويقول "ليس لدي أحد، لا أب ولا أم ولا أقارب.. أقضي العيد وكأنه أي يوم آخر، يوم عامل عادي".

يسود الهدوء الشارع حيث يقع منزل دباس، ولا يمر منه أحد إلا ما ندر، فيما لا تزال مخلّفات المعارك تعم الأرجاء، وتملأ أثار الرصاص والقذائف معظم جدران المنازل.

يأمل دباس أن يتغير الوضع العام المقبل ربما بعودة السكان المسيحيين إلى القرية أو حتى زيارتهم لها، إذ أن "البلاد من دون ساكنيها عبارة عن خراب".

كل شيء تغيّر 
دباس ليس الوحيد الذي سيمضي عيد الميلاد من دون احتفال، إذ قررت سميرة خوري (68 عاماً) وأخواتها الثلاث أن يكتفين هذا العام أيضاً بإضاءة شمعة داخل منزلهنّ إلى جانب صورة للسيد المسيح من دون زينة ولا شجرة ولا حلويات.

وكانت خوري وشقيقاتها من بين عشرات المسيحيين الذين خطفهم "تنظيم الدولة الإسلامية" بعد سيطرته على البلدة.

وتقول وقد جلست قُبالة مدفأة في غرفة صغيرة "منذ ذلك اليوم اختفى الفرح من منزلنا بشكل كامل". وتضيف "كل شيء تغيّر، من الطبيعي أن يتغير طعم الفرح وشكل العيد، وألّا نحتفل لوحدنا بدون الأهل والجيران".

بعينين دامعتين وشوق لأهله وجيرانه، يجثو فيليب عازر (49 عاماً) على ركبتيه ويضع الحطب داخل مدفأة في الغرفة التي يكتفي بالعيش فيها، في منزله الضخم المؤلف من عشر غرف على الأقل.

ويقول "الأهل هاجروا، والأصدقاء ماتوا".ويضيف بحزن "هذا العام أيضاً، سأمضي عيد الميلاد قرب هذه المدفأة، قد أدعو صديقي الثمانيني لشرب كأس من النبيذ، فقط إذا تمالك قوته وجاء لزيارتي".

لم يضع عازر شجرة ميلاد في منزله منذ بدء الحرب في سوريا.

ويقول "شجرة عيد الميلاد لا تزال في العلبة منذ 2011، لمن أضعها؟ لماذا احتفل بالعيد وحدي إن لم يكن معي إخوتي وجيراني وأصدقائي".

ويتابع: "هل هناك عيد من دون صوت جرس الكنيسة؟".
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم