الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

أجراس الاستراتيجية الدفاعية تقرع مجدّداً فهل نضجت ظروف تطبيقها اليوم؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

فجأة ومن خارج كل السياقات والتوقعات، قفزت الى الواجهة الاعلامية والسياسية مسألتان متلازمتان تماما الى درجة الادغام، هما سلاح "حزب الله" والاستراتيجية الدفاعية الوطنية، ومعهما عاد الى الاوساط السياسية مجدداً التباين والتجاذب بين معارضي السلاح والاستراتيجية المتصلة به باعتبار انهما يشكلان في العمق انتقاصاً من سيادة الدولة، وبين الدعاة الى المحافظة عليهما باعتبارهما ضرورة وطنية لتأمين خط دفاع وشبكة امان وطنيين في وجه التهديدات الاسرائيلية المستدامة ولاحقاً في وجه خطر المجموعات التكفيرية.


هذا اللون من السجال حول الموضوعين اياهما ليس جديدا على ادبيات الحياة السياسية في البلاد، فالمعلوم انهما كانا جزءا اساسيا من الخطاب السياسي الذي القى بظله على الساحة طوال السنوات التي تلت حدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى الامس القريب، وكان يطغى على ماعداه في غالب الاحيان ويخفت بريقه حينا آخر كلما استدعت حاجة اي طرف من معسكر المعادين لـ"حزب الله" لتسعير الاشتباك السياسي وزيادة منسوب احراجه.
لم يعد خافيا ان امر السلاح ثم الاستراتيجية استعيدا اخيرا الى ساحة السجال بهذا المستوى من الحماوة في اعقاب حديث رئيس الجمهورية ميشال عون المتلفز عشية زيارته الى القاهرة، واضاء فيه على رؤيته للسلاح واعتباره حاجة وطنية ما دام الجيش يعاني ضعفا. ولاحقا سعى عون في ما يبدو الى التوضيح والتخفيف من حدة الردود على هذا الكلام، فاستحضر في حديث آخر "الاستراتيجية الدفاعية الوطنية". ومع هذا الاستحضار قفزت الى اذهان البعض سيرة كل المسار الطويل والشاق الذي سلكه هذا المصطلح السياسي والتباينات التي نشأت حوله.
قد لايبدو مستجدا الاشارة الى ان ولادة هذا المصطلح ومن ثم سريانه وتداوله تم في جولات الحوار الوطني الاولى التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري عام 2005. آنذاك كان الشرخ الوطني بين 8 و14 اذار بلغ اوجه وكانت القطيعة بينهما وما رافق ذلك من تراشق اعلامي تجاوز كل الحدود قد وضع البلاد على شفا حفرة من الانفجار والعودة الى زمن الاحتراب الاهلي. ومادة التصارع هذه المرة ليست السلاح الفلسطيني كما غداة عام 1975 بل سلاح "حزب الله"، لاسيما بعدما تجرأ البعض بفعل الدوي الذي خلّفته عملية اغتيال الرئيس الحريري وتعالي موجة العداء لسوريا، على اطلاق دعوة صريحة الى نزعه تماما ووصفه بانه "سلاح فتنوي" او يمهد لعودة مناخات الفتنة تلك.
موازين القوى المائلة يومذاك لمصلحة المعادين لهذا السلاح، لاسيما بعد نيلهم اكثرية مريحة في مجلس النواب، والمناخات الناجمة عن انكفاء الدور السوري، قوّت اوراق المعادين للسلاح والمتوجسين منه وأضعفت في المقابل موقع فريق 8 اذار وحاصرته بأكثر من تهمة وشبهة وجعلته في موقع دفاعي انكفائي.
وعندما اشتد هجوم المعادين مع بروز مسألة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان برزت فكرة "الاستراتيجية" وانفتحت ابواب النقاش حولها الى يومنا هذا. قيل آنذاك ان الفكرة استولدتها براعة الرئيس نبيه بري ودهاؤه السياسي، اذ اراد ان تكون وسيلة لاستيعاب الهجمة الشرسة على السلاح والتي شكل النائب وليد جنبلاط رأس الحربة فيها، خصوصا ان في عمق هذه الفكرة دعوة الى تشريعٍ ما لهذا السلاح يقيه شبهة اعتباره سلاحا ميليشيويا من خلال صيغة تنسيق تضعه بإمرة الجيش والدولة.
ولم يكن "حزب الله" بعيدا عن الامر، فبعد توجس لبعض الوقت ما لبث الحزب ان استوعب الموقف وعمل على كسب الوقت ما دام الامر يحتاج الى نقاش مفتوح زمنيا، مما يكبح جماح رافعي لواء نزعه.
ومن باب التذكير ان مشاركين في طاولة الحوار الاولى قد صدّقوا المسألة وجهدوا في صوغ تصور لهذه الاستراتيجية المنشودة، ومنهم "القوات اللبنانية". ومن الباب نفسه ان السيد حسن نصرالله الذي كان يشارك يومها شخصيا في طاولة الحوار (قبيل حرب تموز) قدم عرضا شفهيا استغرق اكثر من ساعة ونصف ساعة لوجهة نظره من هذه الاستراتيجية، تضمن عرضا تاريخيا لمسيرة المقاومة واستمرار الحاجة الى دورها وعزمها على الا تتحول وجهتها الاصلية، وهو ما لقي في حينه استحسان الخصوم انفسهم.
وبعد تطور الخلافات اثر حرب تموز وحدوث الفراغ الرئاسي واستقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى وتصاعد السجال حيال الموضوعين ومن ثم احداث ايار عام 2008، رفع فريق 14 اذار لواء دعوة جلية الى تنظيم عصيان مدني في وجه السلاح، رافعا ايضا بيرق الدعوة الى رفض اي شيء يسمح بتأمين غطاء شرعي له بما في ذلك الاستراتيجية الدفاعية، خصوصا ان السلاح غيّر وجهته الى الداخل.
وبعيد اتفاق الدوحة اعاد الرئيس ميشال سليمان احياء طاولة الحوار برئاسته واعيد احياء النقاش حول الاستراتيجية عينها، لاسيما ان ثمة صيغة وضعت بأمر من سليمان لهذه الغاية على ان يبدي كل طرف ملاحظاته عليها. الا ان الامور عادت الى المربع الاول بعد انفراط عقد هذه الطاولة على اثر تمسك فريق 8 اذار بما عرف بقضية شهود الزور، ولم تلبث ان اُسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى. ومع تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واندلاع شرارة الاحداث في سوريا ومن ثم الفراغ الرئاسي الذي اعقب قطيعة بين 8 اذار والرئيس سليمان، منذ ذلك الحين وحتى الامس القريب سحب النقاش حول الاستراتيجية من التداول وصارت الانظار في مكان آخر، لاسيما بعد تبدل الوقائع في الداخل والمحيط.
وعليه فالسؤال المطروح مجددا هو: هل ان اعادة الرئيس عون تسليط الاضواء على هذه القضية المطوية تعني اعادتها الى مشرحة البحث ثانية؟ واستطرادا، هل ان ظروفا نضجت تسمح بالعودة اليها واقرارها؟
في الشكل، توحي المعطيات المستقاة من جهة الحزب بانفتاحه الدائم على نقاش هذه الاستراتيجية، ولكن في المضمون لا معطيات لدى الحزب توحي بأن الاسباب لطرحها مجددا بشكل جدي متوافرة، وان الرئيس عون عندما اثار الموضوع اخيرا انما بادر الى ذلك من منطلقين: الاول انه اراد استكمال ما بدأه عند الحديث الذي اطلقه حول الضرورة الوطنية للسلاح المقاوم. والثاني لكي يرد ضمناً على هجمة البعض على "موقفه الوطني". وبمنأى عن موقف الحزب بوجهيه، ثمة من يرى انه هو المعني الاول والاخير بهذا الموضوع ويتصرف على اساس ان تطور الاحداث وصيرورة سلاح الحزب هما جزء من معادلة اقليمية اوسع لا تتيح اعادة فتح الموضوع برمته، وخصوصا ان في الغرف المقفلة لدى الحزب كلاما فحواه ان الفريق الاخر الذي يمكن ان يفتح ابواب الموضوع اياه قبل بأمر واقع لحظة قبوله بمعادلة عون رئيسا، لذا ليس بامكانه ارجاع عجلة الامور الى الوراء لان لذلك تبعات لا يستطيع تحمّلها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم