الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

من يقدر؟

جمانة سلّوم حداد
من يقدر؟
من يقدر؟
A+ A-

مَن يستطيع أن يحكم بصحة المعايير الفنية، وبإطلاق أحكام القيمة، سلباً أو إيجاباً، في غمرة التحولات الجذرية التي تطرأ، من جهة، على التجارب والاختبارت الجديدة في الفن، ومن جهة ثانية، على النظرة إليه؟ سؤال تحتاج الإجابة عنه الى الكثير من التروي والحيطة والتحفظ والمعرفة والحنكة، بعد نصف العقد الأخير. فنون شتى، واتجاهات شتى، وطرق شتى، وأعمال شتى، ومجالات شتى، فُتحت أمام العملية التي تندرج تحت تسمية الفن. لم تعد اللوحة والمنحوتة النموذجَين الوحيدَين، وربما صارا في المراتب الخلفية من اهتمامات المعنيين بالفن راهناً.
هذه المعطيات الجديدة تثير النقاش الجدي في العالم وهنا، بسببٍ من انجراف عدد كبير من دارسي الفنون والمتخصصين وغيرهم الى اختبار المجالات الجديدة، وتقديم رؤاهم التي تختلف، وتتناقض في أحيان كثيرة، مع رسّامي اللوحة التقليدية وناحتي الصخور والخشب والبرونز والحديد وسواها.
للدلالة على نوعية النقاش عندنا، والاحتمالات المرافقة له، زرتُ أخيرا برفقة أحد الأصدقاء، صالة عرض بيروتية للفنون المسمّاة "جديدة"، من تجهيزات وفيديو آرت وسواها. يهمّني أن ألفت الى ردّ فعل الصديق الذي كان برفقتي. فقد صدمني كلامه الذي ألقاه احتجاجاً أمام احد الأعمال: "إنه لأمر مشين أن تُطلَق صفة فن على بشاعة مماثلة! ما فاعلية هذا العمل الفنية في المعنى التقني والصناعي والجمالي؟".
بصرف النظر عن رأينا في المسألة، علماً بأنني أنحاز الى التجريب والى الاختبار وفضاءات الفنون الجديدة، يهمّني أن يكون النقاش في هذا المجال قابلاً لتبادل الرأي والإنصات اليه، بحيث يحتضن الأفكار التي تتخاصم وتتجادل وتختبر احتمالاتها وآفاقها.
موقفي من هذا الموضوع ليس التأييد الأعمى للفنون الجديدة، إنما استقبال الجديد بعين تتقبل الاحتمالات وتدرسها فتطرح الأسئلة وتعيد النظر في المسلّمات المعيارية في الفن والأدب وسواهما. العالم يتغيّر. الإنسان يتغيّر. العقل البشري يتغيّر. العلوم تتغيّر. الفنون تتغيّر. الحدود المرسومة تنهار. في غمرة ذلك كله، لا بدّ من أن يكون المرء المغمور بالتحولات، رحباً وعميقاً وقادراً على أن يستقبل المعطيات غير المسبوقة بعقل نيّر، فلا يرفض من أجل الرفض ولا يقبل من أجل القبول.
بالنسبة الى تلك الزيارة، سألتُ صديقي، وسألت نفسي: من يقرّر موجبات صفة الفن، ومن يحدد معايير فاعليته المطلقة، وما مدى ثبات معيار "الجمال" الفني إزاء المتغيرات الزمانية والمجتمعية والتكنولوجية؟
هذه الأسئلة هي التي يجب أن تحكمنا، لا في الفن فحسب، بل في الحياة و"فنونها" مطلقاً.


[email protected]
Twitter: @joumana333

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم