الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

"أحمد وكريستينا": مجتمعنا في تناقضاته وتمرده

المصدر: "دليل النهار"
نداء عودة
"أحمد وكريستينا": مجتمعنا في تناقضاته وتمرده
"أحمد وكريستينا": مجتمعنا في تناقضاته وتمرده
A+ A-

بشفافية وصدق يلامس حميمية المجتمع اللبناني على اختلافه كتبت كلوديا مرشليان مسلسلها "أحمد وكريستينا" الذي يعرض حصرياً في رمضان على شاشة "الجديد". ولعل هذا العمل الذي بدا من عنوانه موحياً بإثارة الجدال، سيجد فيه المتابع متعة في تلقي التفاصيل بمعزل عن فكرة ماذا ستكون نهاية هذا الحبّ المرفوض إجتماعياً بين الشاب المسلم "أحمد" (وسام صليبا) والفتاة المسيحية "كريستينا" (المغنية سابين)، فالتفاصيل تكمن في تلك المعاناة الإنسانية التي يعيشها أبطال العمل كأبناء بيئة قروية متمسكة بتقاليد لم يعف عليها الزمن في بلادنا حتى اليوم، فكيف إذا كانت الكاتبة قد تناولته في مرحلة أواخر الستينات، حين كانت بيروت تستقطب أفكار الثورات التحررية في العالم، وهو أمر لم تتطرق إليه الكاتبة أو تشر إليه، وإنما ذهبت الى تقديم النموذج النافر لظهور حركة الهيبيز في العالم التي لاقت ترحيبا لدى فئة من الشباب اللبناني المتمرد على العنصرية والطبقية. فأبرزت تلك الظاهرة التمردية كما هي، هروب إلى البطالة والتشرد والتفلّت من أيّة تقاليد، ونجحت في إيصال رسالتها تلك عبر شخصية فتاة الهيبيز "سنا" (سينتيا خليفة) التي تعيش متشردة ومستسلمة لحياة اللهو والكحول. ففي مكان ما تتحدث "سنا" عن رفضها الطائفية والطبقية ليجيبها الشاب الياس (نيكولا مزهر) وهل يكون رفض الظلم بالحشيش والتسطيل؟
معالجة حوارية ومشهدية ذكية تقود المسلسل إلى نماذج متمردة بالمعنى الإنساني والقيمي لتقول كريستينا دفاعاً عن حبها لأحمد إن المسيح لم يطلب منا ألا نحب الآخر لأنه مسلم، ويتضرّع أحمد للعذراء لتساعده مع كريستينا، أما "جريس" (يوسف حداد) فهو الثري القادم من أميركا ليتزوج إبنة عمه كريستينا حسب تقاليد عائلية.
هي تفاصيل لا بدّ من الإضاءة عليها في عمل أدّى أبطاله أدوارهم بحرفية، من "الأبونا" (النقيب جان قسيس)، إلى الممثلين: ميّ صايغ (أديل) ونقولا دانيال (روكز) وإلسي فرنيني (عايدة) التي تلعب دور امرأة مسلمة أدّى زواجها برجل مسيحي إلى نبذها من المجتمعين، أما طوني نصير ("عبدالله") وحسان مراد ("طانيوس") فيلعبان بشكل مذهل شخصيتين مميزتين تعانيان عيوب خلقية. ونستطيع القول إن هذا الصدق في لعب الشخصيات وفي تنقل الكاميرا في بيئات قروية وأخرى مدينية تتعلّق أيضاً بتركيز المخرج سمير حبشي على تفاصيل هذا العالم الإنساني بكل ما يعتريه من تناقضات. فبين براءة الشخصيات أو خطاياها أو نزعاتها نحو العنف والقبلية، يستطيع حبشي التأثير في وجدان المشاهد، ولعلّ ذلك ساعد أيضاً الموهبتين الشابتين وسام صليبا والمغنية سابين على إبراز حضورهما الجميل، ولا شك في أن المشاهد يفاجأ بقدرتهما على تجسيد أحساسهما وتعابيرهما أمام الكاميرا من دون تكلّف أو إرباك رغم أنها التجربة التمثيلية الأولى لهما.
مع كل هذا العالم الإنساني الصادق، يعتري العمل بعض الثغر التي كان يمكن تجاوزها، فالحجاب لم يكن ظاهرة منتشرة لدى النساء في تلك المرحلة، باستثناء المتقدمات في السن من جميع الطوائف اللواتي كنّ يرتدين المنديل الذي يغطي الرأس، أما الحجاب فكان حالة نادرة حتى الثمانينات مع صعود المد الإسلامي، في حين نرى شقيقة البطل "أحمد"، وهي طفلة، ترتدي الحجاب حتى في حضرة شقيقها في المنزل، كما جزم المسلسل أن جميع أفراد العائلة الإناث محجبات لمجرّد أنهنّ مسلمات، وهو أمر كان من الممكن تداركه كما كان يمكن تدارك لهجة عائلة أحمد الشمالية التي لا يتكلم أفرادها لهجة المنطقة وإنما يتحدثون بلهجة لبنانية مدينية.
رغم هذه الملاحظات فإن مسلسل "أحمد وكريستينا" يشاهد من القلب والوجدان لتناوله هذه القضية الإنسانية والوطنية بعيداً عن التصنّع التسويقي، عسى أن يكون في ذلك توجها الى فنّ درامي جدي يعكس واقع اللبنانيين وأحلامهم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم