الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

بين الفشل والنجاح ثمة " أسس موسكو"

المصدر: "النهار"
منذر خدام- كاتب وسياسي سوري
بين الفشل والنجاح ثمة " أسس موسكو"
بين الفشل والنجاح ثمة " أسس موسكو"
A+ A-

انقسم المعارضون الذين شاركوا في لقاء موسكو التشاوري، في تقويمهم لنتائج اللقاء، إلى ثلاث فئات: فئة عدت اللقاء ناجحاً، وفئة عدته فاشلاً، وفئة عدته بين البينين، في حين اعتبر وفد النظام أن اللقاء قد حقق أهدافه. شملت الفئة الأولى المعارضة الرسمية، أي المرخصة من قبل النظام، في حين شملت الفئة الثانية بصورة رئيسية هيئة التنسيق الوطنية ومنبر النداء الوطني والحزب الديمقراطي الكردي، وبعض المعارضين المستقلين القادمين من خارج سوريا، أما جبهة التغيير والتحرير فقد أخذت موقعاً بين البينين.


المشكلة تكمن أساسا في مستوى الرهان على اللقاء، بعض القوى المعارضة ذهبت إلى لقاء موسكو وهي تحسبه المسار الصحيح، وربما الوحيد الصالح لإيجاد حل للأزمة السورية، في حين راهن عليه آخرون كي يمهد الطريق إلى جنيف 3 من خلال خلق مناخات ملائمة للتفاوض على أساس بيانه العتيد. رغم اختلاف منطلقات الفئة الأولى من المعارضة عن منطلقات الفئة الثانية، إلا أن كلتا الفئتين يشتركان في مسألة أساسية وهي رهانهم على أن روسيا بحكم علاقاتها التاريخية مع سوريا، ومع النظام أيضاً، تستطيع أن تمارس ضغوطاً عليه للاستجابة لبعض مطالب المعارضة، خصوصاً في المجال الإنساني، كي تستطيع تقديمها للسوريين كإنجاز، لكن رهانهم لم يكن في محله.
وكما في حال اللقاء الأول، أعلن الجانب الروسي عن التوصل إلى وثيقة مشتركة حملت اسم " أسس موسكو " زعم أنها من إعداد المتفاوضين أنفسهم، وليست من إعداد منسق اللقاء. ما حقيقة هذه الوثيقة، وماذا جاء فيها؟!!
لقد جاء في البند أولاً منها توافق الطرفين المعارض والحكومي على "تسوية الأزمة في سورية بالوسائل السياسية على أساس توافقي بناء على مبادئ بيان جنيف1 الصادر بتاريخ 30 حزيران 2012" . وقد يكون عد ما جاء في هذا البند مكسبا للمعارضة لأنه يتضمن موافقة رسمية من قبل النظام على بيان جنيف كأساس للحل، في حين لم يعلن موافقته عليه أثناء مفاوضاته مع الائتلاف السوري في جنيف2.



بدوره ما جاء في البنود ثانياً الذي نص على "مطالبة المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الجدية والفورية على كافة الأطراف العربية والإقليمية والدولية التي تساهم في سفك الدم السوري لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصِّلة بمكافحة الإرهاب ووقف كافة الأعمال الداعمة للإرهاب من تسهيل مرور الإرهابيين إلى الداخل السوري وتدريبهم وإيوائهم وتمويلهم وتسليحهم". والبند ثالثاً الذي نص على " مطالبة المجتمع الدولي للرفع الفوري والكامل للحصار ولكافة الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري ومؤسساته"، وكذلك البند سابعاً " مطالبة المجتمع الدولي للمساعدة بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لعودة المهجرين"، إضافة إلى البنود الفرعية (أ) و(ب) و(هـ) من البند ثامناً، تمثل مصلحة سورية عامة من حيث المضمون، وقد أحسنت المعارضة بإصرارها على عدم ذكر أية دولة بعينها كما كان يريد وفد النظام، وخصوصا ذكر السعودية وتركيا وقطر.



من جهة أخرى فإن وفد النظام يحقق مكاسب سياسية واضحة في البنود رابعا: " إن حامل ونتائج أي عملية سياسية يجب أن يستند إلى السيادة الوطنية والإرادة الشعبية التي يتم التعبير عنها عبر الوسائل والطرق الديمقراطي". وخامسا: " إن إنتاج أي عملية سياسية يتم بالتوافق بين السوريين حكومة وقوى وأحزابا وفعاليات من المؤمنين بالحل السياسي" .وسادسا: "دعم وتعزيز المصالحات الوطنية التي تسهم في تحقيق التسوية السياسية ومؤازرة الجيش والقوات المسلحة في عملية مكافحة الإرهاب " لأنها خلت من أية ضمانات للتنفيذ. فنظراً لعدم ثقة المعارضة بالنظام ، ومسؤوليته الكبيرة عما جرى لسورية وشعبها، إضافة إلى التدخلات الدولية في الصراع الجاري فيها، فإنها كانت تطالب دائما بضمانات دولية لتنفيذ مخرجا ت الحوار أو التفاوض، ومن هنا جاء تمسكها بمسار جنيف. بدوره حاول النظام جاهدا إبعاد أي احتمال لإعطاء أي اتفاق مع المعارضة بعدا دولياً ملزما له، فهو يريد أن تبقى إجراءات التنفيذ خاضعة لإرادته ومشيئته، وقد تحقق له ذلك من خلال ما ورد في وثيقة " أسس موسكو"، وخصوصا في البند الفرعي (و) من البند ثامناً الذي نص على أن " الطريق الوحيد لإنجاز الحل السياسي هو الحوار الوطني السوري - السوري بقيادة سورية وبدون أي تدخل خارجي". من الناحية العملية هذا يعني أن النظام لا يريد حلا حقيقياً، بل يريد المحافظة على النظام السابق وإن بحلة جديدة لا تحدث فيه أي تغيير جذري وشامل كما تطالب المعارضة. يؤكد ذلك ما جاء في البند الفرعي (ج) من البند ثامناً والذي ينص على " الحفاظ على مؤسسات الدولة( الدولة الحالية) وتطويرها والارتقاء بأدائها". لقد غاب عن وثيقة " أسس موسكو" أية إشارة إلى أن هدف التسوية السياسية هو الانتقال إلى نظام ديموقراطي كما تطالب المعارضة، في حين أشارت بوضوح إلى ما يطمح إليه النظام من " إن التسوية السياسية ستؤدي إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب في مواجهة الإرهاب وهزيمته ويجب أن تؤدي هذه التسوية إلى حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة"، المقصود الدولة الحالية بالطبع وليس الدولة الديمقراطية المنشودة.



منذ البداية لم يكن النظام موافقا على بيان جنيف1، ولا على مساره التفاوضي، وهو في وثيقة "أسس موسكو" يحاول تجاوزه نهائياً، من خلال ما جاء في البند عاشراً أي "مطالبة المجتمع الدولي بدعم التوافق الذي سيتم التوصل اليه حول الحل السياسي الشامل في لقاءات موسكو تمهيدا لاعتماده في مؤتمر جنيف 3 ". بموجب ما جاء في البند عاشرا يصير توافق موسكو بديلا لبيان جنيف.
لقد كشف لقاء موسكو الثاني ضعف القدرات التفاوضية للمعارضة بالمقارنة مع خبرات ومؤهلات وفد النظام، من هنا جاءت وثيقة " أسس موسكو" محابية كثيراً للنظام الذي عدها إعلامه إنجازا كبيرا. لقد ساهم في حصول هذه النتيجة أيضا طبيعة قوى المعارضة المشاركة في اللقاء والتفاوت الشديد في درجات معارضتها للنظام، إضافة إلى الدور الروسي الذي كان محابيا في تدخلاته لوفد النظام وأطروحاته أكثر من المعارضة. السؤال هل سوف يكون هناك موسكو 3؟ هيئة التنسيق الوطنية، وعلى لسان منسقها العام، أجابت بأنه لا موسكو 3 بعد الآن، بل جنيف 3، في استجابة مباشرة لما تروجه أوساط ديمستورا من عزم هذا الأخير تحريك مسار جنيف بداية شهر أيار القادم.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم