الأربعاء - 15 أيار 2024

إعلان

الأسئلة المحوريّة في بلورة استراتيجيّة الاستثمار الوطني

لين زوفيغيان
الأسئلة المحوريّة في بلورة استراتيجيّة الاستثمار الوطني
الأسئلة المحوريّة في بلورة استراتيجيّة الاستثمار الوطني
A+ A-

من السهل الحديث عن المنظومة السياسية اللبنانية من منظور المصالح وألاعيب القوى الدائمة التقلّب. النظريّة السياسية تُخبرنا أنّ السياسة تبني الأمّة وتحافظ على مؤسّسات الدولة، بيد أنّ ما نسمّيه بالسياسة في هذا البلد ما هو إلّا تساليك قصيرة الأمد. إنّنا نحكم أنفسنا عبر عدسة تكتية تحبسنا في حالة مزمنة من سوء التقدير، حيث ينتهي بنا المطاف بالاعتماد على طبيعتنا قصيرة النظر لبناء الأطر وائتلافات المصالح والاتفاقيات السياسية... ثمّ نفاجأ لاحقاً أنّ لها تاريخ صلاحيّة ينتهي.

عسى كان الضرر ينتهي هنا. المشكلة في قصر النظر لا تكمن فحسب في تعويقنا عن رؤية ما لا ينفع، بل في محاولة إقناعنا أنّ ما لا ينفع سوف يحلّ نفسه من تلقاء ذاته. هكذا نجد أنفسنا متمسّكين بنماذج فاشلة.

ليست عندنا استراتيجية وطنية. نعم، كلنا نعرف ذلك. لكن الحقيقة هي أنّنا نمتلك واحدة بالفعل.

استراتيجيّتنا الوطنيّة، بالذات من بعد حرب تمّوز سنة 2006، هي أن نتحدّث بعبارات المدى القصير، وتبعاً لذلك نعمي أنفسنا عن التنمية الطويلة الأمد. منطلقنا الوطني هو أن نخلط ما بين البقاء على قيد الحياة عشوائيّاً وما بين الصمود والإباء، وأخلاقيّات عملنا الوطنيّة هي المثابرة بعناد في تهميش أنفسنا المستقبليّة.

وبعد ذلك نتساءل لماذا ليس عندنا بلد فعّال. استراتيجيّتنا الوطنيّة مضحكة حقّاً إن تأمّلتم فيها.

وأكثر من ذلك، استراتيجيّتنا الوطنيّة معدية. قلائل هي الأصوات الجاهرة للقادة والأكاديميين والمواطنين ذوي الأفكار المحفّزة، والتي يترجّلون فيها من هذه الحلقة المفرغة. نحن نقوم بما اعتاده ساستنا (المنتخبون): نحن نتجاوب بردود فعل قصيرة الأمد، ونقصر تحليلاتنا على النقد الساخر من دون طرح أي بديل بنّاء ومستديم.

عندنا استراتيجيّة وطنيّة يتبنّاها ويتّبعها الجميع! صنع في لبنان. يا له من ختم.

لكن لا داعي لأن أجعل عمودي هذا حواراً مسرحيّاً هزليّاً. ما علينا فعله هو أن نتبنّى جماعيّاً عقليّة استثمار وطنيّ. أودّ أن أقترح طريقة حوكمة تصوّر لنا مستقبلنا والكيفيّة التي نريد بناءه فيها.

حسناً، دعوني أنتقل معكم إلى مقطع حزازير اليوم، لنبدأه بسؤال: ما ميزانيّة البلد العموميّة؟

ما ثرواتنا؟ من ثرواتنا؟ ما المقتدرات التي نريد أن تعرّفنا؟ ماذا عن موجوداتنا الملموسة الصالحة للتوظيف لإيجاد مصدر دخل مستديم؟ ماذا عن موجوداتنا غير الملموسة التي تعرّفنا وتخلق لنا هويّةً وعلامةً وطنيّة فخمة نتمسّك بها؟ كيف بإمكاننا تعزيز أصولنا وموجوداتنا في إطار حلبة السياسة الوطنيّة في بلدنا اليوم؟

وعلى نفس الصعيد من الأهميّة: ما مسؤوليّاتنا؟ ما الذي يمكن استصلاحه؟ كيف بإمكاننا العمل مع نقاط ضعفنا المزمنة؟ ما النواحي التي تستوجب المعالجة؟ ما الذي يجب إزالته من جداول حساباتنا؟

هذه أسئلة حرجة في مساعدتنا على بلورة مفهومنا للأمّة، وحيويّة في تمكيننا بالأطر اللّازمة لتعريف وقياس القيم التي نحن، كدولة، نوفّرها لمواطنينا ولضيوفنا ولجيراننا الإقليميّين وللعالم كافّة.

ليس يكفي أن نقصر مناظراتنا الوطنيّة على موافقات لميزانيّات حكوميّة وعلى صفقات ترضية، أو على شروط وتعليمات وضعها الاستثمار الأجنبي المباشر، أو على تعريفات فضفاضة للاستدامة. إدارة الموارد والانضباط المالي والتحفيز الاقتصادي ليست آليّات تكفي لبناء أمّة. علينا أن نبدأ بالحديث عن تكلفة الفرصة والبدل الضائع. علينا أن نتناظر بحقّ في الأمور الموجعة، ليست فقط اليوم، بل أين ستوجعنا أيضاً في الغد.

من ذاك المنطلق بإمكاننا أن نسأل: ما استراتيجيّة استثمارنا الوطني؟ ما الذي يستوجب الاستثمار الحكوميّ بدل الميزانيات المُسيّسة؟ ما الذي يتطلّب الاستثمار الخارجيّ المباشر من الحكومات المانحة طويلة الأناة؟ ما الذي يستوجب القطاع الخاص أن يشكّل له شرارة الانطلاق في بناء القدرات وفي التنمية المستديمة؟

كمستثمرين على صعيد وطني، علينا أن نعطي الأولويّة في اتّخاذ القرارات بناءً على التضحيات الناجمة عن التقاعس عن العمل، وعلى البدل المفقود من اختيارنا أن نركّز على أمور أخرى (كالسياسة مثلاً).

أنا لست مهتمّة بلبنان يعيش بالكاد. أنا – كلّنا – تعبنا من مجرّد النجاة. لبنان الوحيد الذي عندنا متسّع من الوقت له في هذا المفترق الحسّاس هو لبنان الذي يستثمر في المستقبل، وينمو هادفاً، ويزدهر. حان أوان السياسية الحقيقة: بناء الأمّة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم