الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عصير الكرز

المصدر: النهار
سوسن الشريف
عصير الكرز
عصير الكرز
A+ A-

هل تعرف شعور رجل يعلم أن امرأته تخونه، وعيونه غارقة في الدمع العزيز على الاعتراف بمولده كلما نظر إليها؟ يشمّ رائحة الحب وهي تتحدث في الهاتف، يقترب منها متلصّصًا علّه يعرف إلى مَن تتحدث، ولا تنشغل بالتظاهر أو الكذب أنّ على الطرف الآخر صديقة، بل تتبادل الحوار مع أحدهم، ومن وقت للآخر ترسل بقبلة لزوجها، تخترق قلبه وتقتله ببرود يضاهي نيران الغيرة التي تحرقه كل لحظة.

من فترة ليست بالقصيرة كفّ عن سؤالها مع مَن تتحدث، فجوابها لا يتغير، "زميل في العمل، أو صديق من الجامعة، أو من أيام الطفولة جمعتنا مجموعات التواصل، هيفرق في إيه مين هو، ما دمنا متفقين على المبدأ يا حبيبي". حقًا، لقد اتفقوا أن يتمتع كل منهما بالحرية، لكنه لم يعد يطيق، ولا يمكنه أن يستوعب أن كل أصدقائها من الرجال، ولا يصدق أن العبارات التي تتهادى إلى سمعه ممكن أن تعبّر عن صداقة بريئة. وكل صديق منهم له دورٌ في حياتها، فهذا تذهب معه إلى الأوبرا، وهذا يقومان معًا برحلات خِلوية في نهاية الأسبوع الأخير من كل شهر، يفترشان الرمال والسماء هي سقف خيامهما، وهذا يذهب معها إلى حفلات ساقية الصاوي للمطربين الجدد. بينما توقّف به الزمن عند أم كلثوم وعبد الوهاب، مداومًا على سماع أغنية "أه منك يا جارحني"، وكلما سمعها رافعًا الصوت لأعلى درجة تمرّ بجانبه، تطبع على شفتيه قبلة بلون وطعم الكرز، تاركة حلاوته تسيل في فمه، تُزيد من اشتعال النار بداخله، ولا يعرف هل هذه نار غضب وغيرة، أم لوعة وحب، في كل الحالات هو وحده من يحترق.

كان يروي لأقرب صديق له عن حكايته، وكلما ساء الوضع يكون الردّ المنطقي "طلّقها وريّح نفسك"، تلتفّ الكلمات على رقبته كالأفعى، تخنقه بنعومة وبطء، يتجرّع سُمّها، يختلط مع طعم الكرز، يسيل في فمه، يُشعل النار من جديد. لا يمكنه طلاقها، ليس لأن المؤخّر كبير، أو بسبب الأولاد، ولا لأنها من عائلة قد تقضي على مستقبله، بل لأنه يحبها، يحتاجها بقدر حاجتها إليه. نعم هي في حاجة إليه، هكذا تُخبره دومًا، وهي تتدلل عليه كالقطة في موسم التزاوج، تبلل بيجامته الحريرية بدموعها، وتلوّن ياقتها بأحمر شفاهها اليانع كالزهرة التي لا تعرف للذبول طريقاً. "بيجامته الحريرية"... هي من عوّدته على هذه الملابس، فلم يكن يهتم بمظهره، ويكرّس حياته للاهتمام بها وبأطفالهما، وهذا كل عالمه، لا يعود والديه إلا في المناسبات، ونادرًا ما يشملهما بزيارات في العطلات الأسبوعية.

لطالما وجّهت له اللوم على إهماله في مظهره، والاهتمام بأطفالهما أكثر من اهتمامه بها، والبحث عما يسعدها، ويجذبها إليه، ما قد يجنّبها البحث عن سعادتها خارج المنزل. طلبت منه أن يشاركها اهتماماتها، يسافر معها، يحضر الحفلات، لكنه لم يستطع، لم تكن هذه الأشياء من أسباب السعادة لديه، ولم يكن لديه ما يكفي من الوقت بعد عودته من عمله، ومراجعة الدروس مع الأبناء، بينما هي في النادي مع صديقاتها، أو في رحلة. فكّر في الزواج بغيرها كما نصحه البعض، كعقاب، وألمح لها بهذه الحيلة ككارت أصفر، فكانت تردّ برفع الكارت الأحمر، مخطوط عليه كلمات ملونة، كأنه رسالة حب، بأن معه حق في ما سيقوم به، وهي ذاتها قد ملّت الحياة، وتوافقه الرأي تمامًا، ولا تمانع في الطلاق، وستترك له الأطفال لأنه الأفضل في الاهتمام بهم.

فيتقهقر ملوحًا بالراية البيضاء، ويتحلّى بالصبر الذي لا يمحو مرارته عصير الكرز.

أنهت السطور الأخيرة في رسالتها إليه، وضعتها بجانب أخواتها في درج المكتب... كم كرهت هذه الشخصية وأحبتها وتمنتها.

ظلّت تراقبه وهو مرتدياً بيجامته الحريرية الجديدة، يتحدث في التلفون، اقتربت منه تشمّ رائحة الحب، تسترقّ السمع لكلماته إلى... لا يهمّ إلى مَن... وفي ماذا سيفرق معكِ إن كانت صديقة في العمل، أو من أيام الطفولة، هيفرق معاكي في ايه...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم