الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

هل حان وقت التخلّي عن عبارة "الذئب المنفرد"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

مصطلح قديم ومتنوّع الاستخدام

أشار موقع "بوليتيفاكت" المتخصّص في دحض الأخبار والتعليقات غير الصحيحة إلى أنّ كتباً عدّة حول الإرهاب استخدمت هذا المصطلح، من بينها كتاب لليندا جايكوبس ألتمان، "مجموعات الكراهية والعنصرية: قضيّة ساخنة" ويعود إلى سنة 2001. ورد في الكتاب: "الذئب المنفرد والخليّة بلا رئيس أصبحا جزءاً من وجه الإرهاب العنصريّ في التسعينات".

يضيف الموقع أنّ قانون إصلاح المخابرات ومنع الإرهاب الصادر سنة 2004 عدّل تعريف "عميل لقوّة أجنبيّة" ليشمل فئة "الذئب الوحيد". وعُرف ذلك لفترة طويلة باسم تعديل "الذئب المنفرد". ونقل عن العالم الجنائيّ المحاضر في جامعة إنديانا وصاحب كتاب "عصر إرهاب الذئب المنفرد" مارك هام قوله إنّ الفكرة "تمّ تبنّيها من قبل متطرّفي اليمين ردّاً على قمع أجهزة إنفاذ القانون الفيديرالية لإرهابيّي الداخل خلال الثمانينات".

في مقال نشرته "مجلّة الصحافة في كولومبيا"، أشارت ميريل بيرلمان إلى أنّ عبارة "الذئب المنفرد" استُخدمت لقرون في الروايات، حتى أنّ الأميركيّين الأصليّين تحدّثوا عن أبطال محاربين واصفين إيّاهم ب "الذئاب المنفردة". في ما بعد، كان السارقون الذين تركوا عصاباتهم الأساسيّة يسمّون بهذه التسمية.

إذاً، تُبرز هذه التحليلات قِدم المصطلح واستخدامه في توصيف بعض الإرهابيّين من قبل محلّلي سلوكيّات التطرّف قبل أن يستخدمه لاحقاً المسؤولون السياسيّون. علاوة على ذلك، إنّ هذا النوع من التكتيكات لم يرتبط بالإرهاب الإسلامويّ فقط بل بإرهاب اليمين المتطرّف أيضاً. أمّا مدى دقّة هذا المصطلح في تفسير كيفيّة شنّ الأفراد لاعتداءاتهم الإرهابيّة فهو ما يمكن أن يكون خاضعاً للنقاش.

تعريف وإشكاليّات

تتمحور تعريفات "الذئب المنفرد" حول انفصال إرهابيّي هذا النوع من العمليّات عن قيادة أو عضويّة أيّ مجموعة إرهابيّة، في جميع مراحل التفكير والتخطيط والتنفيذ للهجوم. ترى مديرة "المركز الدوليّ لدراسة التطرّف العنيف" الدكتورة آن سبيكهارد في تعليق ل "النهار" أنّ "الذئب المنفرد هو الشخص الذي يتصرّف بشكل مستقلّ بدون أوامر من مجموعة إرهابيّة". لكنّها تضيف أنّ هؤلاء الإرهابيّين "متأثّرون في الغالب" بهذه المجموعات.

يُنتج حجم هذا التأثّر ضبابيّة في تصنيف "الذئب المنفرد". ينقل "بوليتيفاكت" دراسة نشرتها جامعة ميامي سنة 2016، تظهر أنّ المجموعات المؤيّدة لداعش على الإنترنت تتمتّع بعضويّة مائعة مقترحة أنّ الذئاب المنفردين الحقيقيّين، أي الأشخاص الذين يتصرّفون على طريقتهم الخاصّة من دون أيّ تفاعل مع أفراد يشبهونهم في التفكير، على شبكة الإنترنت أو خارجها، نادرون في العصر الرقميّ.

طرح أكثر جذريّة

تظهر هذه الدراسة أنّ الإشكاليّة التي تعتري مصطلح "الذئب المنفرد" هي تقنيّة وليست سياسيّة. إنّ دراسة أخرى نشرتها مجلّة "تايلور أند فرنسيس" الأميركيّة في كانون الثاني 2018 تخطّت هذه الفرضيّة لتطرح عنواناً أكثر جذريّة: "نهاية الذئب المنفرد: التصنيف الذي ما كان يجب أن يكون".

أجرى الدراسة ستة خبراء في شؤون التطرّف والإرهاب وقد فضّلوا استخدام عبارة "الفاعل المنفرد" (أو المرتكب المنفرد) بدلاً من "الذئب المنفرد". استمرّت الدراسة ثلاث سنوات لخطط المرتكبين في أوروبا والولايات المتّحدة الذين كانوا ناشطين بين 1978 و 2015. فتعريف الذئب المنفرد ينطوي على إشارة إلى فتك وحدّيّة لدى المرتكبين هما "غالباً غير موجودَين"، كذلك تفادت الدراسة العبارة المتناقضة "مجموعة الذئب المنفرد"، لأنّه بمجرّد أن يتفاعل إرهابيّان أو أكثر مع بعضهما، ينتهي مفهوم المصطلح. وتذكر الدراسة أنّ تصنيف المرتكبين المنفردين ينطبق على أندريه بريفيك الذي قتل في هجومه 77 شخصاً في النرويج، وثيودور كاتشينسكي الذي قتل 3 أشخاص وجرح 23 آخرين على امتداد 17 عاماً بين 1978 و 1995 في الولايات المتّحدة. لكنّ هذين المثلين استثنائيّان بحسب الدراسة التي ذكرت أنّ المرتكبين المنفردين نادراً ما يتمكّنون من كتمان مخطّطاتهم.

أخطاء شائعة

إنّ طلب تغيير عبارة "الذئب المنفرد" الذي تقدّم به الخبراء لا يقتصر على غاية معرفيّة لهذه الظاهرة. هذا ما يؤكّده في إجابة على سؤال "النهار" أحد المشاركين في الدراسة، وهو الدكتور بارت شورمان بروفسور مساعد في جامعة لايدن الهولّنديّة في لاهاي وصاحب منشورات عدّة حول الإرهاب:

"أعتقد فعلاً أنّ التمييز بين الذئب المنفرد/المرتكب المنفرد يهمّ من أجل أسباب عمليّة أيضاً. عبارة ‘الذئب المنفرد‘ تقترح (وجود) أفراد

أ‌- منعزلون بشكل كامل وبالتالي يصعب كشفهم

ب‌- مقتدرون جدّاً ومميتون، تماماً كالذئب الذي هو مفترس مقتدر

ج- قادرون جدّاً على التخفّي سريعاً، مجدّداً مثل الذئب القادر على مطاردة الفريسة والاختفاء في الغابة حيث لا يُرى بعدها".

يشرح شورمان، وهو أيضاً منسّق أبحاث في "المركز الدوليّ لكافحة الإرهاب" (لاهاي)، أنّ الصعوبة في تقفّي أثر هؤلاء الأفراد، وفقاً لما ينطوي عليه هذا التصنيف، تعود إلى الغياب المفترض لأي تواصل يمكن اعتراضه مع المجموعات الإرهابيّة كما لغياب مفترض لأيّ رسائل متبادلة يمكن تحليلها لاستشراف الجريمة. كذلك، يصعب تعقّب الأفراد واختراقهم كما هي الحال مع المجموعات.

مشكلة السمات الثلاث المذكورة تكمن في أنّها "لا تنطبق على غالبيّة من يسمّون بالذئاب المنفردة الإرهابيّة". يضيف شورمان: "في الواقع، لدى معظمهم علاقات فعلاً بمتطرّفين آخرين حتى ولو غير قويّة جدّاً". ومعظمهم "ليسوا إرهابيّين مقتدرين" بما أنّهم "لا يملكون خبرة قتاليّة ولا يجيدون استخدام الأسلحة بفاعليّة وغيرها" كما أنّ "معظمهم غير قادرين جدّاً على التنفيذ والتخفّي السريعين". ويشرح أنّهم "على سبيل المثال، يتبجّحون أمام أصدقاء/زملاء/مواطنين حول نواياهم، وتكشف ‘غوغل‘ أموراً من حواسيبهم في المنزل، كما يخزّنون أسحلة تحت أسرّتهم" وغيرها من السلوكيّات التي توضح ذلك.

مخاطر

إذا تمّ تطبيق تحليل شورمان على هجوم طرابلس الأسبوع الماضي، فسيكون بإمكان المراقبين ترجيح أنّ مبسوط ليس "ذئباً منفرداً". فذهابه إلى سوريا للالتحاق بداعش وخضوعه لدورة شرعيّة، يعني أنّه غير منفصل عن المجموعات الإرهابيّة بشكل كامل. ولا يغيّر شيئاً من ذلك، عودته السريعة من سوريا لرفضه تنفيذ أوامر داعش بقتل أحد مسؤولي "جبهة النصرة". كما أنّ طريقة ارتكابه الاعتداء الإرهابيّ المتنقّل تدلّ إلى إجادته استخدام السلاح والقنابل والمناورة حيث تمكّن من قتل شهيدين من الجيش وآخرَين من القوى الأمنيّة. هذا إضافة إلى اعتقال مشتبه بعلاقتهم مع الإرهابيّ.

ختاماً، يشدّد شورمان ل "النهار" على أنّه "إذا استمرّت وكالات إنفاذ القانون والمخابرات في النظر إلى أنّ المرتكبين المنفردين على أنّهم بهذه القدرة وأنّهم ‘الإرهابيّون الفائقون‘ الشبحيّون، فعندها هي تخاطر بتفويت واقع أنّ معظمهم يرتكبون جميع أنواع الأخطاء، وأنّهم ليسوا على الإطلاق بهذه القدرة على الرغم من بقائهم مميتين وأنّهم ليسوا على الإطلاق وحيدين أو قادرين على التخفّي، وبالتالي (هي معرّضة ل) فقدان الفرص في كشف/تفادي عنف المرتكب المنفرد".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم