السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"مجازر بحق المسيحيّين في نيجيريا يسكت عنها العالم"؟ الوقائع بالأرقام والأسباب

المصدر: "Snopes"
"مجازر بحق المسيحيّين في نيجيريا يسكت عنها العالم"؟ الوقائع بالأرقام والأسباب
"مجازر بحق المسيحيّين في نيجيريا يسكت عنها العالم"؟ الوقائع بالأرقام والأسباب
A+ A-

منذ وقوع #مجزرة_كرايست_تشيرش بـ#نيوزيلندا، تتناقل صفحات وحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي ان "المسلمين قتلوا نحو 120 مسيحياً في نيجيريا، خلال 3 أسابيع، في شباط وآذار 2019". وكتب موقع Snopes ان "العديد من التقارير الإخبارية المحلية، رغم عدم موثوقيتها تمامًا، أكدت هذه الحوادث والوفيات الموصوفة في تقارير بموقعي "بريتبارت" Breitbart و"كريستيان بوست" Christian Post.

غير انه لاحظ في الوقت نفسه ان الانتماء الديني مسألة ثانوية في النزاع المستمر بين الرعاة والمزارعين النيجيريين، والذي يصفه خبراء محايدون باستمرار بأنه نزاع على الموارد الطبيعية واستخدام الأراضي. وقد فشلت تقارير في الولايات المتحدة، في آذار 2019، في توضيح تعقيدات هذا النزاع في شكل صحيح. ولم يذكر مقال "بريتبارت" اعمالاً وحشية مبلّغاً عنها، ارتُكبت ضد شعب الـ"فولا" ذي الأغلبية المسلمة في شباط 2019.

وهنا التدقيق الذي أجراه موقع "Snopes" في المزاعم المتناقلة عن "مجازر ترتكب بحق المسيحيين في نيجيريا"، والتي "يسكت عنها العالم".

"عقب مجزرة كرايست تشيرش بنيوزيلندا، والتي قتل خلالها مسلح يؤمن بتفوق العرق الابيض، 50 شخصًا بالرصاص في مسجدين، سرعان ما تحول بعض المراقبين الذين يميلون إلى اليمين إلى فظائع ارتكبها مسلمون ضد المسيحيين في الأسابيع الأخيرة.

في 16 آذار، أورد موقع "بريتبارت" أن "مسلحين نيجيريين قتلوا 120 مسيحيًا في غضون ثلاثة أسابيع، منذ أواخر شباط 2019". وفي مقال آخر نُشر في اليوم التالي، اورد الكاتب نفسه أن "الزعماء السياسيين والشخصيات العامة تحمسوا في نهاية هذا الأسبوع للتنديد بهجمات المسجدين في نيوزيلندا، بينما ذبح عشرات المسيحيين على يد مسلمين في نيجيريا...".

وقد استشهد هذا المقال بتقرير نشره موقع "كريستيان بوست"، والذي استشهد بدوره ببيان صحافي نشرته في 14 آذار جمعية "كريستيان سوليداريتي العالمية" التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها. وجاء فيه: "توفي ما لا يقل عن 120 شخصاً منذ 9 شباط في سلسلة هجمات نفذتها ميليشيات الفولاني على تجمعات لقبائل "ادارا" جنوب كادونا. وحصل هذا العنف عقب بيان أصدره حاكم ولاية كادونا، عشية الانتخابات الرئاسية في نيجيريا في شباط الماضي، بشأن مذبحة مزعومة لقرويين من "الفولاني" في المنطقة".

وأوضحت الجمعية التفاصيل المزعومة لخمس هجمات حديثة العهد كالآتي: "في 11 آذار، قُتل 52 شخصًا ودُمر نحو 100 منزل في هجمات على قريتي إنكيريمي ودوجونوما في مارو، منطقة كاجورو... في اليوم السابق، في 10 آذار، تعرضت قرية أونغوان باردي في كاجورو لهجوم قتل خلاله 17 شخصًا، وحرقت عشرات المنازل. في 26 شباط، قُتل 38 شخصًا ودُمر نحو 40 منزلًا في هجمات على مجتمع كاراماي في مارو بكاجورو. وقد قُتل عشرة أشخاص في هجوم سابق على أنغوان باردي في 10 شباط. وقبل ذلك، في 9 شباط، قُتل 6 أشخاص في هجمات معزولة في المنطقة".

رغم عدم موثوقيتها تماما، تؤكد التقارير الإخبارية المحلية إلى حد كبير الحوادث والوفيات التي تكلم عليها "بريتبارت" و"كريستيان سوليداريتي". ومن الصعب التوصل إلى تحديد مجمل العدد النهائي للقتلى. لكن الأرقام التي يزعمها "بريتبارت" و"كريستيان سوليداريتي" هي بكل تأكيد معقولة، للأسف، تمشياً مع الصراع المستمر بين المزارعين والرعاة، والذي أثر على أجزاء من نيجيريا في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، فإن هذا الصراع له مجموعة معقدة من الأسباب والدوافع. ومقالات "بريتبارت" و"كريستيان بوست" المنشورة في آذار 2019، خدمت القراء في شكل سيئ من خلال تركيزها حصريًا على الانتماءات الدينية للمجموعات المعنية - وهذا الامر يعتبره خبراء محايدون انه لا يشكل سببًا رئيسيًا للصراع - في حين فشلت هذه المقالات في ذكر عوامل أخرى ذات صلة.

كذلك، أخفقت مقالة "بريتبارت" في شكل ملحوظ في ذكر الفظائع الكبيرة التي سجلت خلال شهري شباط وآذار 2019، بحيث زُعم أن أفرادًا من إثنية "أدارا" المسيحية قتلوا 130 فرداً من إثنية "فولا" العرقية ذات الأغلبية المسلمة.

الخلفية

منذ نحو عام 2017، تصاعدت الصدامات الطويلة الامد والعنيفة بين مجموعات مختلفة من المزارعين في أجزاء من نيجيريا من جهة، ورعاة الماشية الرحّل من إثنية "فولا" ذات الغالبية المسلمة (المعروفة باسم فولاني) من جهة اخرى.

في صيف 2018، وصفت "مجموعة الأزمات الدولية" The International Crisis Group، وهي منظمة غير حكومية تبحث في النزاعات العنيفة في جميع أنحاء العالم، هذه الاشتباكات المتصاعدة بأنها "أخطر تحد أمني لنيجيريا". وعرضت الخطوط العريضة للنزاع بين المزارعين والرعاة، قائلة: "في النصف الأول من 2018، مات أكثر من 1300 نيجيري في أعمال عنف شملت رعاة ومزارعين. ما كان في الماضي هجمات تلقائية أصبح حملات أرض محروقة متعمدة، غالبا ما يأخذ فيها الغزاة القرى على حين غرة في الليل. اليوم، يشكل هذا النزاع تهديدًا خطيرًا لاستقرار البلاد ووحدتها، بحيث يودي بحياة المدنيين ستة أضعاف أكثر مما يتسبب به تمرد "بوكو حرام".

في تقرير صدر في كانون الأول 2018، قالت منظمة "العفو الدولية" أيضاً إن النزاع "يُشنّ للوصول إلى الموارد الطبيعية". ووصفت الروابط العرقية (وتالياً الدينية) بين المجتمعات المحلية كعامل يشعل الانتقام، بدلاً من كونه السبب الأساسي وراء الصراع نفسه.

ويشرح براندون كيندامر، وهو أستاذ مساعد في جامعة أوهايو وخبير في السياسة النيجيرية، أن "الديناميات الدينية للصراع ازدادت تعقيدًا بسبب واقع أن الرعاة من اثنية الفولاني يهاجمون المزارعين في ولاية زامفارا، حيث جميع المزارعين والضحايا من المسلمين أيضا". وقال: "هنا، يظهر بوضوح أن الصراع متجذر في إفلات العصابات الإجرامية من العقاب".

ماذا حصل في شباط - آذار 2019؟

تصاعد الصراع بين المزارعين والرعاة في أوائل 2019، مع وقوع سلسلة هجمات، بخاصة في ولاية كادونا شمال غرب نيجيريا. من الصعب الحصول من وسائل الإعلام المحلية على معلومات موثوق بها ونزيهة حول الصراع المستمر. لكن برنامج تعقب الأمن في نيجيريا Nigeria Security Tracker، وهو مجلس للعلاقات الخارجية يديره السفير الأميركي السابق في نيجيريا جون كامبل، يحاول التحقق من التفاصيل عبر جمع أكبر عدد ممكن من هذه التقارير:

وفقًا للبرنامج (19 آذار 2019)، هذه هي حوادث العنف المسجلة والمرتبطة بالنزاع بين المزارعين والرعاة بين 1 شباط و15 آذار 2019:

- 2 شباط: وفقًا لتقارير إعلامية، أطلق رعاة الفولاني النار على شابين من مجتمع زراعي قرب بلدة أغاداما شمال أوغيلي في ولاية دلتا.

- 4 شباط: وفقًا لما ذكره اللواء ادييمي يكيني Adeyimi Yekini، وورد في مقالات إخبارية، قتلت القوات العسكرية النيجيرية ثلاثة من رعاة الفولاني أثناء معركة بالأسلحة النارية في قرية توماتار في غومن بولاية بونو.

- 4 شباط: وفقًا لتقارير في وسائل الإعلام، قتل مسلحو الفولاني 15 شخصًا في سبع قرى مختلفة في منطقة جوساو بولاية زمفارا. ورجحت مصادر الشرطة حصول الهجمات ردا على حادثة وقعت في 1 كانون الثاني، أحرقت خلالها مجموعة يان ساكاي حتى الموت سبعة من إثنية الفولاني وماشيتهم.

-7 شباط: وفقا لتقارير، وقعت أعمال عنف ثأرية متبادلة بين رعاة الفولاني وابناء اليوروبا في قرية أغو أويو في ولاية أويو، عندما قتل أحد رعاة الفولاني مزارعا من يوروبا في هجوم بالساطور. وشكك أحد زعماء الفولاني المحليين في هذا التقرير، زاعماً أن المتوفى لقي حتفه من جراء نطحة ثور.

-11 شباط: وفقًا لحاكم ولاية كادونا نصير الرفاعي، قُتل 130 من الفولاني في منطقة كاجورو، في ما يشتبه في أنه اعتداء انتقامي نفذه أفراد من إثنية أدارا ذات الغالبية المسيحية. وشكك زعماء مسيحيون في أرقام الحاكم. لكن قادة الفولاني أصدروا في ما بعد ما زعموا أنه قائمة بأسماء 131 من ضحايا الفولاني.

-12/ 13 شباط: وفقا لتقارير، قتل رعاة بالرصاص مزارعَين اثنين ذهبا إلى الأدغال لمواجهتهم قرب ندميلي غرب ندوكوا في ولاية دلتا.

-13 شباط: وفقًا للمسؤول المحلي جونسون أوكولو، على ما نقلت عنه تقارير إخبارية، قتل الرعاة بالرصاص امرأة تدعى بولينا أغاديفي، وخطفوا رجل دين مسيحيا محليا في أموفيا-أفا في أودي بولاية إينوجو.

-13 شباط: وفقًا لتقارير إخبارية، قتل أحد رعاة الفولاني بالرصاص مزارعًا اسمه إيليا أوغور قرب بلدة أيغباجو إكيتي في منطقة أوي بولاية إكيتي. ادعى قادة الفولاني أنهم قبضوا على المشتبه فيه عمر ساندا، وسلموه إلى الشرطة المحلية.

-19 شباط: وفقا لتقارير إخبارية، ادعى قادة الفولاني أن الجيش النيجيري قتل بالرصاص اثنين من رعاة الفولاني في أديكي بماكوردي بولاية بونو. ونقل عن اللواء ادييمي يكيني إن الرجلين قُتلا بعدما تعرضت القوات لإطلاق نار من رعاة الفولاني.

-20 شباط: وفقًا لتقارير إخبارية، قتل مسلحون يشتبه في انهم من رعاة الفولاني، 16 شخصًا بالرصاص في ايبيتي بأغاتو في ولاية بونو.

-20 شباط: وفقًا لمسؤولين محليين ذكرتهم تقارير إخبارية، أطلق رعاة مشتبه فيهم من قبيلة الفولاني النار على اثنين من سكان اييه في غوما بولاية بونو.

-26 شباط: وفقًا لتقارير إخبارية متعددة، قتل مسلحون يشتبه في أنهم من الفولاني 40 من سكان مارو كرامي في كاجورو بولاية كادونا، المكان ذاته الذي وقعت فيه مذبحة قضى فيها 130 من الفولاني قبل أسبوعين.

-1 آذار: وفقًا لتقارير، قال مسؤولون في نيومان بولاية أداماوا إن رعاة هاجموا قرية باري وقتلوا امرأة هناك.

-1 آذار: وفقًا لتقارير إخبارية، قتلت مجموعة من المسلحين المشتبه في كونهم رعاة، 16 شخصًا قرب أغاغبي بولاية بونو. ونقل عن اللواء أدييمي يكيني إنه لم يتم اكتشاف سوى سبع جثث في ذلك الوقت.

-10 آذار: وفقا لتقارير إخبارية، دهم مسلحون يشتبه في أنهم من الفولاني، قرية أونغوان باردي. وقتلوا بالرصاص 16 شخصا في كاجورو بولاية كادونا. وذكر تقرير إخباري أن عدد ضحايا تلك الغارة بلغ 35.

-11 آذار: وفقًا لقادة من إثنية أدارا ذات الغالبية المسيحية، قتل مسلحون يشتبه في أنهم من قبيلة الفولاني، 52 شخصًا بالرصاص في غارات أخرى على ثلاث قرى، في كاجورو بولاية كادونا.

ويبدو أن عمليات قتل إضافية، رغم ان برنامج تعقب الأمن في نيجيريا لـ19 آذار لم يتضمنها، وقعت في 16 آذار عندما أشعل مسلحون مشتبه في انهم من قبيلة الفولاني النار بعشرات المنازل وقتلوا 10 أشخاص في قرية ناندو في سانغا بولاية كادونا.

في 13 آذار، فرض حاكم ولاية كادونا نصير الرفاعي حظرًا للتجول من الساعة 18:00 مساء إلى 06:00 صباحًا في منطقة كاجورو وأجزاء من شيكون، ردًا على العنف المتصاعد. في 16 آذار، أصدر الرئيس النيجيري محمد البهاري بيانًا دان فيه ما سماه "العنف الداخلي" في ولاية كادونا.

النتيجة: أودى الصراع المستمر بين الرعاة والمزارعين في نيجيريا بحياة الآلاف في السنوات الأخيرة، لا سيما خلال تصاعد العنف سنة 2019، بخاصة في ولاية كادونا، حيث أفيد بأن عشرات المسيحيين من إثنية أدارا قُتِلوا في شهري شباط وآذار على يد مسلحي الفولاني المسلمين.

وتؤكد التقارير الإخبارية المحلية الى حد كبير، وفقاً لما سجله برنامج تتبع الأمن في نيجيريا، صحّة هذه الحوادث والوفيات التي ذكرها موقع "بريتبارت" ومنظمة "كريستيان سوليديريتي العالمية" غير الربحية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم