الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الفساد في لبنان رأسمال يُستثمر به لمصلحة الطوائف

د. خديجة مصطفى - استاذة جامعية
الفساد في لبنان رأسمال يُستثمر به لمصلحة الطوائف
الفساد في لبنان رأسمال يُستثمر به لمصلحة الطوائف
A+ A-

في معرض التفتيش عن معنى مفهوم الفساد ومضمونه العام، نجد أنفسنا أننا أمام الفكرة التالية:

إن الفساد في معناه ومضمونه يتضمّن أمرين: من جهة، هناك معنى وجود قوانين وقواعد مؤسسية عامة ومحددة فلسفتها "الفرد والمواطن"، تفرض نفسها عليه، تمتاز بقوة قاهرة وضاغطة، تقنّن السلوك المجتمعي للفرد. وعدم الشعور بالضغط والقهر لا يعني عدم وجود القوانين. يكفي مخالفة بعض القواعد القانونية كي يظهر بأوضح صورة. إذاً، قوانين وقواعد مؤسسية تملك قاعدةً نظريةً هي "الفرد الفاعل"، تحدّد سلوك "المواطن الحرّ المستقل" في المجتمع، تؤسّس لفصل واضح بين ما يمكن فعله، وما لا يمكن فعله، بين ما هو مرغوب فعله، وما يُفترض فعله. ومن جهة ثانية هناك معنى وجود "فرد"، "مواطن"، يسعى في ممارسته اليومية الواقعية الحياتية إلى تحقيق مصالحه الخاصة، غاياته الشخصية والفردية خارج إطار هذه القواعد وهذه القوانين. والذي ينتج عن هذه الممارسة الفردية والسلوك الفردي، خارج إطار القوانين والقواعد العامة هو الفساد، الفرد الفاسد، أفراد فاسدون.

هذه هي إذاً الصورة المنطقية النظرية لوجود قوانين وقواعد فلسفتها الفرد، وممارسة الفرد في سبيل تحقيق مصالحه خارج إطار القواعد المذكورة التي تكون نتيجتها الفساد. وهذا هو الفساد كمفهوم نظري، الذي يجب أن يتيح لنا فهم ما يجري، أي المحسوس.

ولكن ماذا لو طبّقنا هذه الصورة المنطقية التي تُنتج مفهوم الفساد على الواقع اللبناني؟ ماذا نجد لو فتّشنا بواسطة هذه الصورة النظرية عن الفساد في الملموس اللبناني؟ هل يُعبّر مفهوم الفساد بمضمونه عن واقعنا؟ في الحقيقة، ما نجده هو التناقض الواضح والصارخ. نجد القوانين الموضوعة، محددة، منصوصة، فلسفتها الفرد والمواطن حاضرة وقائمة. بينما ما يمارس على أرض الواقع اللبناني ليس الفرد ومصلحة الفرد الخاصة، بل ما يمارس هو الطائفة ومصلحة الطائفة والطوائف وغاياتها.

هنا يحصل التناقض الرهيب بين القوانين وفلسفتها القائمة على الفردنة، وبين الممارسة الطائفية في المصالح. فما هي نتيجة هذا التناقض؟ هل هو الفساد عينه؟

الفساد الناتج عن هذا التناقض، هو ليس فساد فرد أو أفراد، بل هو فساد "وضع". الوضع اللبناني فاسد، وليس كما يظن البعض، هناك فرد أو أفراد أو مسؤول، مدير، سياسي، موظف، عامل، فاسد...الخ، على العكس تماماً. إن الممارسة الواقعية التي تقع خارج إطار القوانين هي لمصلحة الطوائف، وليس لمصلحة الفرد والأفراد.

وإذا عدنا الآن، ونظرنا بهذا الفهم الذي يرى أن الفساد في لبنان ليس فساد أفراد بل فساد وضع ناتج عن تناقض بين القوانين وفلسفتُها المواطن الفرد، وبين ممارسةٍ في الواقع تأخذ طابعاً طائفياً، نصل إلى النتيجة التالية: لا يوجد فرد، شخص على أرض الجمهورية اللبنانية إلّا وهو فاسد، جميعنا فاسدون دون استثناء، سواء أكان ذلك عبر مشاركتنا الفعلية في الفساد أو عبر الاستفادة من الوضع الفاسد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وليعد كل منّا إلى نفسه ويتأمل ويرى كيف توظّف وحصل على عمل، ترقية، فتح مشروع، مؤسسة، زفت طريق... ولنبحث جيداً، نعم جميعنا فاسدون دون استثناء، جميعنا مستفيدون من الفساد أو مشاركون فيه. كلٌّ له طريقته التي تتوافق مع ممارسة طائفته. في لبنان الفساد ليس فساد فرد وأفراد إنما فساد وضع ككل.

ما الحلّ؟ كيف نغير الوضع؟ الحلّ ليس كما يظن البعض عبر تطبيق القوانين ونشر ثقافة يجب احترامها والتقيد بها، أو البحث والكشف عن الفاسدين واستئصالهم، أو المحاسبة، أو الرقابة، ولا إلغاء المعايير المزدوجة. ولا ينفع أن نتشدّق بكلام وعبارات نشرح ونحدّد ونحلّل مكامن الخلل والفساد، ولا برفع شعاراتٍ وراياتٍ وانتظارِ موقف، وردّ فعل، ولا التلويح بأرقام وأسماء وملفات...إلخ.

الأمر تخطى هذه المرحلة في لبنان. الفساد ليس من طبيعة الحلول المطروحة التي ترى الفساد فساد أفراد. نحن بحاجة إلى حلول تتناسب وطبيعة الفساد الذي يحقق مصالح الطوائف، وبما أن وجود طائفة واحدة كحل للمأزق مستحيل وغير متاح مبدئياً. لا حلّ إلا بوطن مختلف، أفراد آخرين، أسرة مختلفة، وفرد مختلف. وإلا سيبقى الفساد في لبنان شبحاً متخفياً لا نعلم من هو، وأين هو، نلاحظ آثاره وعوارضه، ونعمل على علاجات مؤقتة مهدئة للعوارض. الفساد في لبنان رأسمال يُستثمر به لمصلحة الطوائف.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم